العنف الضريبي يهدد التماسك الاجتماعي/ د.محمد المنير

ثلاثاء, 18/02/2025 - 18:08

إن تحصيل الأموال على حساب المواطنين لا يمكن أن يعتبر إنجازا أبدا، بل كان خطا أحمر في كثير من البلدان. ولذلك فمن المدهش أن نرى الوزير الأول يعرب عن ارتياحه لزيادة حجم الجبايات الضريبية بشكل كبير، من خلال أهداف التحصيل الإلزامي التي حددتها الحكومة. في وقت كان من الممكن أن تكون الأسباب الحقيقية للارتياح هي خلق آلاف الوظائف للشباب العاطل عن العمل، أو زيادة معدل النمو بشكل كبير، أو توسيع نطاق الولوج إلى الخدمات الأساسية.

صحيح أن الإنفاق العمومي يستدعي وجود موارد تشكل الضرائب والرسوم أساسها. وتمويل الاستثمارات وتقليل اعتماد البلاد على الديون والمساعدات الخارجية لا يتأتيان إلا من خلال الضرائب أو الموارد المحلية. لذا فإن مكافحة التهرب الضريبي عمل يستحق التثمين, لكن زيادة الضغوط الضريبية، خاصة في غياب أي تعويض من الخدمات المقدمة (التعليم، الصحة، السكن، النقل، البنية التحتية…) قد تتحول إلى سياسة مالية خانقة تمثل خطرا حقيقيا على الاستقرار والتماسك الاجتماعي. فتاريخيا، كان الضغط الضريبي السبب الرئيسي وراء معظم الثورات.

وبالتالي فإن أي سياسة ضريبية عنيفة تؤدي إلى زيادة الضغط الضريبي وإفقار المواطن وتقليص قدرته الشرائية. فالمواطن يتعرض اليوم لهجوم غير مسبوق من الضرائب من جميع الأنواع، من خلال الرسوم الإلزامية التي لا تعد ولا تحصى، والتي تستنزف قدراته : ضريبة القيمة المضافة على جميع المستويات، وضريبة السكن، وضريبة الدخل الإيجاري، وضريبة الأجور، والرسوم الجمركية، وتأمين السيارات، وضرائب النقل، ورسوم التسجيل، وضرائب الشركات، وضرائب أرباح الأعمال، والغرامات، وضريبة السيارات، والضرائب البلدية، ناهيك عن الابتزاز عند العديد من نقاط التفتيش في المدن وخارجها. والأسوأ من ذلك هو أن دافعي الضرائب لا يملكون أي وسيلة للاستئناف ضد تطبيق الضرائب، ويجب عليهم دائما الامتثال لأوامر إدارة الضرائب.

كما أن السياسة المالية غير المرنة تؤدي إلى نتائج عكسية. إذ تعمل على تقويض أرباح القطاع الخاص، في حين أنه يخلق فرص العمل خاصة أنه يكافح من أجل البقاء في بيئة قاسية. وبالإضافة إلى خطر قدرة القطاع الخاص على الاستثمار، فإن المفارقة تكمن في أن هذه السياسية الجبائية الشرسة تشجع النشاطات الاقتصادية غير المصنفة، والتي بحكم طبيعتها تفلت من أي ضرائب. فعدم الإعلان عن الأنشطة الاقتصادية، يؤدي إلى نقص حاد في المداخيل الجبائية للدولة.

وعلاوة على ذلك، أظهرت التجربة، وخاصة على مدى العشرية الأخيرة، أن سياسة الضرائب القاسية يمكن أن تتحول إلى أداة فعالة للضغط على الخصوم وتصفية الحسابات مع المنافسين.

ولتجنب كل هذه العواقب، يتعين على الحكومة أن تعمل على تخفيف العبء الضريبي، من خلال سياسة أكثر ذكاء، تركز على زيادة القاعدة الخاضعة للضريبة، بدلا من التركيز على معدلات ضريبية مرتفعة. ومن الممكن أيضا أن تستهدف هذه السياسة الأثرياء، من خلال ضريبة على الثروة، والأنشطة الملوثة، من خلال ضريبة بيئية، لتمويل مبادرات حماية البيئة. ومن شأن هذا النهج أن يساعد على منع تصاعد الإحباط والسخط بين المواطنين الذي يحمل في طياته خطر الانفجار الاجتماعي.