إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حفظه الله،
الموضوع : طلب سحب مشروع قانون حماية الرموز.
صاحب الفخامة/
في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات قرع طبول الحرب في جوارنا الشمالي وتتعاظم فيه نُذر الفوضى وعدم الاستقرار في جوارنا الجنوب شرقي مع الحديث عن احتمال استقدام ميليشيا من المرتزقة الدولية لمالي وفي الوقت الذي تزداد فيه معاناة المواطن الموريتاني يوما بعد يوم سوءً بسبب آثار جائحة كوفيد والصعود الصاروخي لأسعار المواد الغذائية بالسوق العالمية وتدني القدرة الشرائية وضعف التساقطات المطرية وضعف تنفيذ الخطط التنموية عمد بعض معاونيكم إلى الدفع بمشروع قانون أشبه بنص استاليني وكأنه بلسم سحري لكل التحديات التي تواجه بلدنا. نص يثير أكثر من تساؤل وأكثر من استغراب في توقيته وفي تاريخه (القرن الحادي والعشرين) وفي مقاصده (تكميم الأفواه وإرسال رسالة سلبية جدا عن نظام الحكم ).
السيد الرئيس بودي لفت انتباهكم قبل التطرق إلى سرد عشرة أسباب أراها وجيهة لوقف مسار تمرير هذا النص إلى أن معاونيكم جانبوا الصواب وعجزوا حتى عن تسمية مشروع القانون تسمية سليمة قانونيا ففي عنوان النص المؤشر عليه من طرف الإدارة العامة للتشريع بختم "تأشيرة التشريع" والمصادق عليه من طرف مجلس الوزراء نقرأ " مشروع قانون يتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن" وهو نفس العنوان الذي ورد في عرض الأسباب الموقع من طرف معالي الوزير الأول برسالة الإحالة والحال أن عبارة الرموز الوطنية لا أثر لها في دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية ولم ترد عبارة الرمز الوطني (بصيغة المفرد) إلا مرة واحدة في المادة 8 والتي نصت :
"المادة 8 (جديدة): الرمز الوطني هو علم أخضر يحمل رسم هلال ونجم ذهبيي اللون على خلفية خضراء، وعلى جانبيه شريط أفقي مستطيل أحمر اللون.
تتم المصادقة بقانون على نموذج الرمز الوطني.
يحدد بقانون ختم الدولة والنشيد الوطني."
ويفهم من هذا أنه حتى شعار الجمهورية موضوع المادة 9 لم يتم اعتباره رمزا وطنيا تماما كختم الدولة وكالنشيد الوطني وكرئيس الجمهورية.
عشرة أسباب وجيهة لسحب مشروع القانون:
السبب الأول: تكريسه انتكاسة قوية لحرية التعبير كركن أساس للديمقراطية فالرمز الوطني محمي بقوانين نافذة والأشخاص زائلون.
السبب الثاني: تكريسه العدول عن مكسب مهم تحقق للبلاد (إلغاء حبس الصحفيين) واحتلت بموجبه موريتانيا الترتيب الأول في حرية الصحافة بالوطن العربي لسنوات وذلك في عهد نظام لم يكن قط نموذجا بارزا في الديمقراطية.
السبب الثالث: تكريسه لإطلاق يد القمع الممارس في عديد الأحيان من قِبل قوات الأمن ضد المتظاهرين السلميين (والتظاهر حق مكفول بالدستور وفي كل المعاهدات والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان) ذلك أن المادة 3 من هذا النص تؤكد سخرية كاتبه من الرأي العام ومن المنطق إذ كيف يُعقل أن ينتظر صحفي شاهد على تجاوزات ضد مواطنين إذنا من القيادة المسؤولة عن قوات الأمن لتصوير وتوثيق هذه التجاوزات ؟!!!. جل التشريعات الدولية اليوم تحمي الشهود وتحمي المبلِّغين عن جرائم أيا كان موضوعها.
السبب الرابع: تكريسه لحفر خنادق بين قيادة البلد والشعب. ثم ما معنى أن تحتمي قيادة بلد بنصوص من الحقبة السوفيتية ضد انتقادات من مواطنين وهي انتقادات لا تخرج عن أحد طرحين: طرح يحركه شعور وطني وهذا ينبغي التعاطي إيجابيا معه وطرح يتعدى إلى السب والتجريح وهذا يقع تحت طائلة قوانين نافذة لا تحتاج نصا "سوفيتيا" لدعمها.
السبب الخامس: هذا النص سيشكل حرجا بالغا لعدد كبير من الداعمين والمتعاطفين مع النظام الحالي في تسييره للبلد بغية رفع تحديات التنمية بعد عشرية كانت إخفاقاتها أكثر من نجاحاتها.
السبب السادس: إنني وغيري كثر بكل تأكيد، لم أستطع إلصاق نص كهذا بما هو معلوم وشائع عن سلوك وأخلاق فخامة الرئيس وبُعده عن النظرة التسلطية والقبضة الحديدية، إنه نص يضرب في الصميم هذا الانطباع لعدد كبير من الموريتانيين عن نهج وأخلاق رئيسهم، فمن هو هذا الذي يحفر كالسوس في بناء النظام لدفعه إلى مسالك لا تليق به ولا تليق بالبلد؟!!! لا بد أن في الأمر ما يستدعي من فخامتكم التحقيق والتثبت قبل فوات الأوان.
السبب السابع: إن تمرير مثل هذه النصوص تزامنا مع توجيه أقلام مأجورة وغير مسؤولة لضرب الهدوء والسكينة اللذين طبعا مشهدا لطالما عانى التأزيم، يؤدي مع المشاكل الكبيرة التي تواجه المواطن الموريتاني في عيشه ومع المآخذ العديدة والمتزايدة للأسف حول غياب الشفافية وحسن التدبير في الإنفاق العام ببعض القطاعات المفصلية كل هذا قد يُشكل وقودا ومحركا لتجاذبات حادة لا حاجة للبلاد بها .
السبب الثامن: لا ينبغي الفرح والتعويل على البرلمان لتمرير قانون سيشكل وصمة عار في تاريخ البلاد السياسي (للتذكير ثلثي أعضاء البرلمان طالبوا سابقا بالدوس على الدستور حين وقعوا عريضة المأمورية الثالثة لسلفكم!! فأين هم من سلفكم الآن؟) .
السبب التاسع: لن يكون مشرفا لا للرئيس ولا لمن يُخلصون الدعم له أن تبقى ذكرى تمرير هذا النص عالقة في ذكريات الموريتانيين مستقبلا عن هذا النظام بعد نهاية حكمه.
السبب العاشر: ليس من الحكمة أن نوفر الظروف المكممة للأفواه والمؤسسة للتسلط في جو يطبعه الفقر المتزايد والفساد المستشري ببعض القطاعات ونُذر عدم الاستقرار بالمنطقة المجاورة لبلدنا.
لكل هذه الأسباب أخاطب فيكم يا فخامة الرئيس حرصكم على ضمان أمن واستقرار البلد وأطلب منكم التوجيه بسحب مشروع القانون هذا. لا حاجة لموريتانيا إليه، لستم بحاجة إليه.
وفقكم الله ورعاكم
مواطنكم / سيدأحمد ولد أبّوه