من الاتحاد إلى الإنصاف: تغيّر الاسم وبقيت الأزمة

اثنين, 06/10/2025 - 11:29

مقدمة: التغيير في الشكل لا في المضمون

من يتتبع مسار الحزب الحاكم في موريتانيا يدرك أن التحول من الاتحاد من أجل الجمهورية إلى الإنصاف لم يكن أكثر من تعديل في الواجهة. فالمضمون السياسي ظلّ هو نفسه: حزبٌ يعيش في كنف السلطة، ويعتمد في بقائه على قراراتها أكثر مما يعتمد على قاعدته الشعبية.

 

ورغم محاولات التجميل، فإن حزب الإنصاف لم يتمكن بعد من تقديم نموذجٍ حزبيٍّ مدنيٍّ مقنع، ولا من بناء مشروعٍ سياسي جامع يُشعر المواطن أن الحزب الحاكم يمثل إرادته حقًا.

 

من حزب الرئيس إلى حزب بلا هوية

قد يكون من المنصف القول إن الاتحاد من أجل الجمهورية، زمن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كان حزبًا ذا حضور – ولو محدودًا – لكنه كان يعرف نفسه ويعرف من يخدم.

 

أما اليوم، فقد صار الإنصاف جسدًا بلا روح، ومؤسسةً تفتقر إلى الحيوية، لا تظهر إلا في المناسبات الرسمية والزيارات الرئاسية.

 

"لقد حاول العسكر بعد تفكيك الحزب السابق أن يُنتجوا جناحًا مدنيًا يغطي الواجهة السياسية للسلطة، لكنهم فشلوا في خلق كيانٍ حقيقيٍّ قادرٍ على استيعاب مختلف الأطياف الاجتماعية والسياسية".

 

حزب المناسبات والولاءات المؤقتة

حدثني أحد الزملاء ذات يوم قائلاً: "أراك تتحدث في السياسة، لكني لم أرك يومًا في مقرات الحزب!".

 

فأجبته: "لم أدخل مقره إلا نادرًا، لأنه لا يظهر له دور إلا عندما يقرر الرئيس زيارة إحدى ولايات الداخل؛ حينها فقط يدعو الحزب من يسميهم أطر الولاية المزورة ليُسبقوه لاستقبال رئيس الحزب، ثم استقبال الرئيس نفسه، ويشرح لهم أهمية الولاية وأهمية حضورهم!".

 

أما باقي الأيام، فمقر الحزب يظل شبه خالٍ، يستقبل بين حينٍ وآخر بعض الشخصيات المقالة أو المتقاعدة، ممن يبحثون عن مواعيد مع من لم يُقَل بعد، أو عن صفقة من فتات الصفقات العمومية المتناثر.

 

حين كان الحزب للرئيس المسجون

"حبذا لو تركوا الحزب للرئيس المسجون، فقد كان حزبًا ذا حضور ولو محدودًا". بهذه العبارة يختصر كثيرون رأيهم في المقارنة بين الأمس واليوم.

 

ففي عهد ولد عبد العزيز، كان الحزب – رغم ارتباطه الصريح بالسلطة – يملك هويةً سياسية، ويعرف ما يريد.

 

أما اليوم، فلم ينجح العسكر في إنتاج جناحٍ حزبيٍّ مدنيٍّ قادرٍ على استيعاب تنوع المجتمع، أو تحقيق التوازن بين مصلحتي "إخوف وإطمع" كما يقول المثل الشعبي.

 

لقد صار الحزب أقرب إلى مؤسسةٍ رسمية باهتة لا تتحرك إلا بقرارٍ من الأعلى، ولا تتنفس إلا بزيارةٍ رئاسية أو تعديلٍ وزاري.

 

خاتمة: اسم جديد... نهج قديم

هذا هو الواقع الذي يعيشه حزب الإنصاف اليوم: غياب في المبادرة، ضعف في الحضور، وفقدان للثقة الشعبية.

 

فشعارات "الإنصاف" لم تُترجم إلى سياسات، والخطاب الهادئ لم يُقنع الشارع الذي ما زال يرى في الحزب مجرد ظلٍّ للسلطة لا صوتًا للمجتمع.

 

لقد تغيّر الاسم، لكن لم يتغيّر النهج.

 

وما لم يجرؤ الحزب الحاكم على مراجعةٍ حقيقيةٍ وصادقة، فسيبقى كما هو: واجهة سياسية لسلطةٍ تبحث عن غطاءٍ مدني، لا حزبًا يعبر عن إرادة الناس.