
المختار ولد عبد الله - كاتب صحفي
لن نقبل وكل أحرار العالم معنا، بعد اليوم تلقي دروس في الديمقراطية التعددية من حاملي مشعلها الذي فقد ويفقد كل يوم قدرته على بعث وهجها الكاذب...
فها هي الديمقراطيات الغربية تكشف بما لا يدع مجالا للشك عن حدود عجزها تجاه تجاوز أزماتها البنيوية المتعددة...!!
إن تزامن ما يحدث في كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية من مواجهات راديكالية وحدية بين أطراف اللعبة السياسية وما نجم عنه من "إغلاق حكومي" في أمريكا، من جهة، وأزمة حكم في فرنسا، من جهة أخرى، يكشف لنا في وضح النهار هشاشة النظام الديمقراطي الغربي ومحدودية قدرته على تجاوز أزمات انحسار بروز أغلبية برلمانية واضحة، تحكم باسم الشعب..
هاتان الأزمتان تكرسان أكثر من أي وقت آخر، وفضلا عن كل ما تعنيانه من تعدد لمظاهر الترهل والشيخوخة التي تعصف بالأنظمة الديمقراطية الغربية، تفسيرا صاعقا للانكشاف غير المسبوق لزيف وانهيار مفاهيم "القوانين الدولية" و"حقوق الإنسان" و"سيادة النموذج الديمقراطي التعددي"، والإنهيار الصارخ غير المسبوق لسيادة القانون والقيم الإنسانية، وما يجري من أحداث الإبادة الجماعية والمجازر الصهيونية الإجرامية في غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة أمام عيون كل شعوب ودول العالم ووسائل الإعلام الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومشتقاتها وتوابعها إلا دليلا جليا لا يقبل الإلغاء على حجم هذا الجنون الجماعي والاستقالة المخزية لكل خطابات الأنسنة والتحضر والتنوير التي طالما تغنت بها الديمقراطيات الغربية، هذا إضافة إلى كل ما يمثله صعود القوى اليمينية المتطرفة والتكتلات السياسية الشعبوية في مسارح النزال الانتخابي بالدول الغربية من انحسار فاضح لما كان، وحتى عهد جد قريب، لدى أدعياء وأنصار قدسية الخيارات الجامعة للشعوب و"الديمقراطيات الراقية" أكثر أنماط الحكم تلبية لتطلعات الجماهير...
أليس من حقنا - والحالة هذه - أن نطلق بكل ارتياح ثورة مضادة على كل الأصعدة الفكرية والسياسية والاقتصادية والجيوسياسية أيضا، في وجه النظام الديمقراطي الغربي السائر في طريق الإفلاس...؟؟
وهل هي دون مبالغة، بداية الموت الصغرى للديمقراطيات الغربية... ومعالم انهيار سيادة الناخب...؟؟
من المفروغ منه أن مثل هذه الدعوة سيواجه بتسفيه باذخ من المنخدعين بأدبيات الديمقراطية التعددية... لا يهم، فالمهم قبل كل شيء هو أن نعي اللحظة التي يمر بها النظام الديمقراطي الغربي في هذا الحيز المحرج من تاريخه المعاصر، وأن نستخلص منه الدروس التي تليق بتطلعنا في العالمين الإسلامي والعربي، وفي إفريقيا، لإعادة صياغة فهمنا لما كان... وما هو في طور التشكل..!!
غير ذلك سيكون بمثابة انفصام معيب، مرة أخرى، في فهم المتغيرات الكبرى والمتسارعة التي يعرفها العالم من حولنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...