لقد بدأت حياة جديدة تماماً بالنسبة لي بعد ديسمبر 1934. فقد كانت بداية المجهول بالنسبة لي، بداية دخولي معترك الحياة العصرية! لقد مكثت خمسة أعوام في مدرسة أبي تلميت، ونلت منها شهادة الدروس الابتدائية الأساسية الفرنسية العربية في يوليو 1939. وأذكر جيداً يوم دخولي المدرسة. كان ذلك قبيل الزوال بعد ساعات من مغادرة مخيم أبي الكائن وقتها بـ«عين السلامة» على بعد 10 كيلومترات إلى الشمال من أبي تلميت. وكان يرافقني «مسعود ولد هبول»، مرافق والدي الذي لا يفارقه. وقد قطعنا المسافة الفاصلة بين عين السلامة وأبي تلميت على ظهر جمل. وركب مسعود الرحل، وكنت رديفه. وقد أنخنا جملنا وعقلناه عند أهل الشيخ ولد جدو، على الكثيب الواقع إلى الشمال الغربي من القرية، وتوجهنا إلى المدرسة سيراً على الأقدام. وتوجد المدرسة في وسط القرية، بلا حائط ولا سور يفصلها عن باقي المباني. وكانت مبنية كلياً من الطين، شأنها في ذلك شأن كافة دور البلدة بما في ذلك المركز الإداري الذي زرته فيما بعد.
وكان التلاميذ داخل الأقسام وقت مجيئنا. وبعضهم يقرأ أو يتلو بصوت عال، ويصل صدى أصواتهم إلى الخارج على الرغم من أن الأبواب والنوافذ كانت موصدة. ودخلنا الشرفة فإذا برجل ينتظر قدومنا، على ما يبدو، فاتجه إلينا عندما رآنا، واتضح لنا أنه المراقب. وتوجه إلى مسعود، العارف به فيما يبدو، وسأله: «هل هذا ابن محمدن ولد داداه؟»، فرد عليه مسعود بالإيجاب، فقال المراقب: «اتبعوني لأوصلكم إلى المدير». وازداد وقع ضربات قلبي الذي بدأ يخفق منذ وصولنا المدرسةَ. فقد شعرت بخوف شديد وأصابني الذعر، وانتابتني فجأة الرغبة في الفرار للعودة إلى الحي. وكنت في واقع الأمر شديد الاضطراب صبيحة ذلك اليوم أثناء السفر من عين السلامة إلى أبي تلميت، وما بين منزل أهل الشيخ ولد جدو والمدرسة بوجه خاص. وكان الخوف من المجهول، ومن فراق الأهل يثير قلقي بل ويهز كياني. غير أنني سرعان ما تذكرت نصائح والدي صبيحة ذلك اليوم، قبيل مغادرة الحي، فهدَأ روعي. لقد أوصاني الوالد قائلاًً: "أستودعك الله، لقد أصبحت رجلاً لأنك ستعيش مستقبلا بدون أسرتك معظم وقتك. وستعيش مع أطفال قادمين من مختلف قبائل ومناطق البلاد، منهم من هو أكبر منك، ومنهم من هو في سنك، والبعض أصغر منك. فاحذر من أن تدنس عرضنا أو تسيء
من مذكرات الرئيس المخطار ول داداه