رجاءً، لا تجازف بِوَطن هش : على جنَباته عصابات وحركات وقنابل وأزيز ومفرقعات.. داخله فئات غاضبة، وأعراق هائجة، وطبقات باكية، وجروح تاريخية لم تندمل بعد.. وهناك، في بئر بلا قاع، غاز أسال كل لُعاب.
رجاءً، لا تجازف بوطن هش: فيه عساكر ملّت عدَمية المدنيين، ومدنيون ملوا وجود العسكر، وفي برزخ بين الطائفتين “الباغيَتَين”، يقف المشاغبون الإنتهازيون، أعداء السلم، بحثا عن فرصة لإشعال عود الثقاب.
رجاءً، لا تجازف بوطن هش: كل تَرِكته، من الموروث السياسي، ثقيلة، سخيفة، متخلفة، ذميمة، دميمة. من وَحَل “حزب الشعب”، إلى طين “الإنقاذ”، ومن سوءات “الخلاص”، إلى عورات “الهياكل”، ومن مزبلة “الحزب الجمهوري”، إلى جبّانة “عادل”، إلى قاذورات “الإتحاد من أجل الجمهورية”، مسيرة طويلة فشلَت في خلق وطن واحد، وتقاعسَت عن بناء جدار للحرية، وتوارَت عن أنظار العدالة، وفرّت أمام خيل المساواة، وولّت الأدبار أمام تيار الديمقراطية، وعجزَت حتى عن أن تبول على رأس هُبَل. وشيئا فشيئا تراكم الإحتقان السياسي والأزمات الحقوقية والتقهقر الإقتصادي والتوتر الإجتماعي، وأصبحَت مطالب الشعب كـُناسة من أطنان العرائض الشبابية والنسوية والفئوية والعرقية والنقابية والحزبية واللاّ أدرية… وفي العواقب، لا أحَد يفكر!..
رجاءً، لا تجازف بوطن هش: الرق آفة تأكل أحشاءنا دون أن نعلم، والفساد جرثومة أتَت على الأخضر من آمالنا واليابس من أحلامنا، والفوضى، الموروثة من طبيعة الخيمة، تعبث بكل شيء، حتى إشارات الضوء الأحمر شبّكت سواعدَها وتجمدَت في صمت مطبق رهيب. لا تفتيش، وإن كان ثمة تفتيش فمَن يُفتش المفتشين!.. لا تعليم، وإن كان ثمة تعليم فمَن يُعلّم المعلمين!.. لا ماء ننافحه، لا خبز نسائله، لا دواء نلاعبه، ولا حوتة نمتطي ظهرها فنهرب، جماعيا، إلى بلاد العم سام.
واليوم، اليوم فقط، تراءى من وراء الأفق الداكن رجل أصلع.. أوْقَد ماكنة القطار.. قلنا ما هو بمنطلِق من طول التآكل وشدة الصدأ.. لكنه انطلق بقدرة قادر.. رأينا المارد الإنعتاقي، بيرام الداه، بالبند العريض، على الصفحة الأولى من الوكالة الموريتانية للأنباء!.. رأينا الزعيم أحمد ولد داداه في الصف الأول إلى جانب “رأس الهرَم” في مهرجان شنقيط!.. رأينا اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تمازح أطفال آدوابه وتهدد بتفعيل القوانين ومتابعة ملاك العبيد!.. رأينا باعة الموت الأحمر يذرفون الدموع داخل صيدليات السموم!.. رأينا أسعارا تنزل على الأقل إلى السماء الثالثة!.. لقد انطلق القطار بالفعل: هناك انفراج سياسي، وتحولات حقوقية صارمة، وإصلاحات جوهرية غير مسبوقة.. وبما أنه لا أحد يريد لك إلا الخير، إذن، لا أحد يريدك أن تغامر بالوقوف أمام قطار منطلق.
افسِح لنا الطريق.. افسحه لأخيك كي يمر، وافسحه لوطنك كي يتعافى، وافسحه للتاريخ كي يَذكُركَ بخير.