انتقد ناشطون وإعلاميون مغاربة، ما سموه "استهداف الصحفيين في المملكة لتكميم أفواههم"، عبر تخويفهم بمتابعات قضائية "مفبركة"، مطالبين بـ"إطلاق سراح الصحافة (السلطة الرابعة)".
وأطلق ناشطون مغاربة وسما بعنوان "الحرية لهاجر"، يطالب بإطلاق سراح هاجر الريسوني، وهي صحفية في جريدة "أخبار اليوم" (خاصة) تتهمها السلطات بالخضوع لـ"الإجهاض"، فيما برأتها وثيقة رسمية من مستشفى حكومي في العاصمة الرباط، حيث أفادت بأنها لم تخضع للإجهاض.
جاء ذلك بعد أيام قليلة من ملف محمد عمورة، وهو صحفي في الإذاعة المغربية (حكومية)، حيث طالب وزير الصحة أنس الدكالي، بمنع بث برنامج إذاعي يقدمه عمورة، بعد أن انتقد فيه واقع مهنة الطب في المملكة.
ووجد ملف عمورة مخرجا عبر لقاء جمعه مع وزير الصحة، بطلب من الأخير، فيما لا يزال ملف الريسوني يثير ردود أفعال عديدة، متسائلة عن واقع الصحافة في المغرب.
وبحسب موقع "اليوم 24" (خاص)، فإنه تم اعتقال الريسوني وخطيبها، السبت الماضي، قبل أسبوعين من زفافهما.
** استهداف للإعلام
وفق محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير (غير حكومية)، فإن "تعدد حالات استهداف الصحفيين، مؤخرا، يوضح أن حرية الإعلام مستهدفة في المغرب".
وأضاف العوني للأناضول: "في حالة الصحفي عمورة، يوجد سوء إدراك من المسؤولين لمكانة الإعلام وأدواره".
أما بخصوص حالة الريسوني فـ"الأمر يتعلق بفبركة ملف يهم صحفية ينبغي أن تُحترم حياتها الخاصة".
وتابع: "نلاحظ أنه يتم تطويع القانون لاستهداف الصحفيين، وهو ما ينعكس سلبا على المسؤولين وعلى البلد ككل".
وأوضح أن "تراجع جرأة الإعلام والتحقيق والتحري، يساهم في ضعف منتوج الإعلام الوطني، ما يجعل المساحة الفارغة تكبر، وهو ما يتم استغلاله من طرف الإعلام الأجنبي، أو يتوجه المواطنون إلى ذلك الإعلام".
وحذر العوني من "ارتفاع وتيرة استهداف الصحفيين في المملكة.. ما يضر حرية الإعلام في البلد يضر صورة البلد ككل".
** تكميم للأفواه
من جهتها، انتقدت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية)، اعتقال الريسوني من طرف عناصر أمن.
وقالت الجمعية، في بيان، إن "أخبار اليوم" أكدت أن الصحفية مثلت، في حالة اعتقال، الإثنين، أمام وكيل الملك (النيابة العامة).
وأوضحت أن الاعتقال شمل أيضا "طبيبا متخصصا بأمراض النساء والتوليد، وكاتبته، ومساعدا طبيا، مثلوا جميعهم في حالة اعتقال أمام وكيل الملك، بتهم الفساد، والإجهاض والمشاركة في الإجهاض".
وأعربت الرابطة عن "التضامن التام واللامشروط مع الصحفية في انتهاك خصوصياتها ومتابعتها في حالة اعتقال، رغم توفر كافة ضمانات الحضور".
وأكدت مساندتها وتضامنها مع كافة صحفيات وصحفيي "أخبار اليوم" و"اليوم 24"، وكذلك التقنيات والتقنيين والعاملات والعاملين، بعد حملات تشهير من جهات مجهولة تريد ربط الجريدة والموقع بفضائح جنسية، متجاهلين "قرينة البراءة ومبادئ المحاكمة العادلة".
ودعت الرابطة إلى إطلاق سراح كافة الصحفيين المعتقلين على خلفية مواقفهم.
ويقول منتقدون إن جهات تستخدم قضية الإجهاض المفبركة لتهديد الريسوني، بسبب تبنيها هي وصحيفتها خطا منتقدا للحكومة والسلطة.
وفيما قالت الريسوني، حسب بيان لهيئة الدفاع عنها، إن خطوة القبض عليها "سياسية" معاقبة لها على مقالاتها المؤيدة لـ"حراك الريف"، نفت النيابة العامة في بيان أن يكون توقيف الصحفية له أي علاقة بمهنتها، بل تتعلق بأفعال تعتبر في نظر القانون الجنائي "جرائم"، وهي "ممارسة الإجهاض".
** أخلاقيات المهنة
كما أدان المنتدى المغربي للصحفيين الشباب (غير حكومي)، ما "تعرضت له هاجر من تشهير ومس بحياتها الخاصة في وسائل إعلام لم تحترم أخلاقيات مهنة الصحافة".
وقال المنتدى إنه "يصطف بجانب كل القوى الحية والمنظمات المدنية والحقوقية المدافعة عن حرمة الحياة الخاصة للمواطنات والمواطنين، وعن الحريات الفردية بجميع أشكالها دون أي شكل من أشكال الانتقاء".
وبشأن قضية الصحفي عمورة، قالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية (غير حكومية) إنه "لم يسبق في تاريخ المغرب الحديث أن طالب وزير بصفة رسمية بمنع بث عمل إعلامي".
وقال حزب التقدم والاشتراكية (مشارك في الائتلاف الحكومي)، إن أنس الدكالي، وزير الصحة (منتم إلى الحزب) طوى صفحة الخلاف مع عمورة.
وأضاف الحزب، في بيان، أنه بمبادرة من الوزير، انعقد في الرباط لقاء حضره عمورة ونقيب الصحفيين، عبد الله البقالي، خصص لتبديد سوء التفاهم الناتج عن التفاعلات التي أعقبت بث حلقة برنامج "حضي راسك" (انتبه لنفسك) التي خصصت لموضوع "الخيانة الطبية".
واعتبر الوزير المغربي، بحسب البيان، أن سوء التقدير الذي طبع تدبير هذا الملف، لا يمكن أن يُفسر بالسعي إلى التضييق على العمل الصحفي المهني.
** مناضلو الأزمات
على عكس ملف عمورة، لا تزال قضية هاجر الريسوني تحظى بردود أفعال في الإعلام المحلي ومنصات التواصل الاجتماعي.
وقال محمد البقالي، إعلامي مغربي عبر صفحته بـ"فيسبوك": "فليتوقف هذا العبث! أطلقوا سراح هاجر ومعها سراح الصحافة في البلد".
وكتب عادل الصغير، ناشط حقوقي: "للأسف مناضلو الأزمات دائما ما يتركون صاحب الأزمة في أزمته متخبطا، ويركبون عليه لتمرير مواقفهم السياسية والإديولوجية".
وتابع أن الريسوني قالت أمام النيابة إنها "اعتقلت في الشارع العام من طرف شرطة بالزي المدني، وليس في حالة تلبس، وإن التقارير الطبية تؤكد عدم وجود أي إجهاض".
وأردف الصغير: "لكن هناك من ترك المطالب الحقوقية المرتبطة بظروف الاعتقال والتهم والمحاكمة العادلة، وترك المطالبة بحق السيدة في كل ذلك، ومشا (ذهب) كيناضل من أجل الحق في الإجهاض والممارسات الجنسية خارج مؤسسة الزواج".
فيما قال الأمير مولاي هشام، ابن عم العاهل المغربي محمد السادس، إن "الريسوني تعرضت إلى اعتداء فاضح، فقد جرى اتهامها بالإجهاض بينما تقرير طبي طالب به القضاء برأها رسميا".
وزاد الأمير بقوله، عبر صفحته بـ"فيسبوك": هذا "اعتداء على الحقوق الدستورية لهذه السيدة في بلد يرفع شعار دولة الحق والقانون".
وتابع: "كما أن هذه الحالة هي خرق لروح تقاليدنا الإسلامية التي تصون أمور الناس بعيدا عن التشهير والتشنيع حماية لشرفهم".
واعتبر أنه "بهذه الممارسة المرفوضة، تكون الدولة قد تناقضت وشعاراتها باحترام حرية الفرد والترويج للإسلام المتنور، وتكون المقاولة (الأجهزة) الأمنية بانزلاقاتها المتكررة تعبث بأمن واستقرار البلاد. حالة هاجر وحالات أخرى تجعلنا نتساءل جميعا: أين يتجه وطننا المغرب؟".
وتنفي الحكومة المغربية استهدافها للصحافة، وقال الناطق باسمها مصطفى الخلفي، في يوليو/تموز الماضي، إن المملكة انخرطت في إصلاحات عديدة لتعزيز حرية الصحافة وضمان حماية الصحفيين، خاصة بعد اعتماد دستور 2011.
وأضاف أن من تلك الإصلاحات إنشاء "المجلس الوطني للصحافة"، واعتماد قانون جديد للصحافة والنشر، ينص على إلغاء العقوبة السالبة للحرية، ويعترف بحرية وسائل الإعلام الإلكترونية، ويرسخ حقوق الصحفيين، ويؤكد التزام الدولة بحمايتهم من الاعتداءات، وتعزيز استقلالية الصحافة.