تنعقد خلال الفترة من 04 إلى 06 نوفمبر 2018، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التونسية الموريتانية، وبهذه المناسبة يقوم السيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية، يومي 05 و06 من هذا الشهر بزيارة عمل إلى موريتانيا للإشراف مع أخيه السيد محمد سالم ولد البشير الوزير الأول الموريتاني، على أشغال اللجنة العليا وافتتاح ملتقى لرجال الأعمال التونسيين الموريتانيين.
وتتميز العلاقات التونسية الموريتانية بالعراقة والتجذر، وتقوم على عدّة أبعاد ومجالات منها السياسي، لا سيما وأن تونس البلد الأول الذي اعترف باستقلال موريتانيا وساندها في جميع المحافل الدولية، والاقتصادي والتجاري، فقد تمّ تركيز عدّة مؤسسات ثنائية تونسية موريتانية إضافة إلى عديد الاستثمارات التونسية الخاصة، والتعليمي والثقافي، فتونس تستقبل سنويا عددا هاما من الطلبة الموريتانيين للدراسة بالجامعات التونسية، وتوفد عديد الأساتذة من التعليم العالي والتكوين المهني في إطار التعاون الفني للتدريس بالمؤسسات التعليمية والجامعية الموريتانية. كما تعتمد موريتانيا على الكفاءات التونسية لنقل التجارب التونسية في عديد المجالات.
فعلى المستوى السياسي، تمثل العلاقات التونسية الموريتانية مثالا يحتذى به، وذلك من خلال التشاور المستمر واللقاءات الدائمة بين مسؤولي البلدين وآخرها لقاء السادة وزراء خارجية البلدين بنواكشوط خلال شهر جويلية 2018، فهناك تطابق في وجهات نظر البلدين في جلّ القضايا الإقليمية والدولية. كما لتونس عديد الاتفاقيات الممضاة مع موريتانيا في كل المجالات ويتمّ تحيينها باستمرار وبصفة دورية. ومنذ الدورة الفارطة التي عقدت خلال شهر ديسمبر 2017، اجتمعت عديد لجان المتابعة واللجان الفنية في شتى المجالات. ومن المنتظر كذلك أن تجتمع على هامش هذه الدورة 18، بقية اللجان الفنية ولجان المتابعة في التعليم العالي والبحث العلمي، والسياحة، والإدارة الجهوية والمحلية والبيئة.
على المستوى الاقتصادي، تشهد المبادلات التجارية التونسية الموريتانية تطورا هاما، وقد قدّرت هذه المبادلات خلال سنة 2017 بحوالي 60 مليون دولار، وذلك بزيادة تقدّر بعشرين بالمائة مقارنة بسنة 2016، وتمثل الأدوية والتمور والمواد الصناعية والغذائية أبرز الصادرات التونسية إلى موريتانيا. لكن هذا الرقم لا يمثل حقيقة المبادلات الثنائية، لا سيما وأن قطاع الخدمات غير المرقّم، يمثل ركيزة هامة في التعاون الاقتصادي الثنائي. فهناك العديد من شركات الخدمات التونسية ذات قيمة مضافة عالية، على غرار الإعلامية والاتصالات والمحاسبة والهندسة والدراسات، والتي لها وجود مهمّ في سوق الخدمات بموريتانيا. فجل الأعمال الهندسية والمنظومات الإعلامية والمعلوماتية لدى المؤسسات البنكية والمالية الموريتانية يتمّ إعدادها وتطويرها من طرف شركات تونسية. كما أن هناك العديد من المستثمرين والشركات التونسية المقيمة في موريتانيا ولها رصيد هام من المصداقية داخل السوق الموريتانية.
ففي مجال التعليم العالي، تستقبل بلادنا ما يزيد عن 200 طالب موريتاني سنويا، نصفهم ممنوحين من الحكومة التونسية، للدراسة بالجامعات التونسية، ويتمّ فتح سنويا مركز امتحان بمقر السفارة التونسية بنواكشوط لفائدة الطلبة الموريتانيين لاجتياز المناظرة الوطنية للدخول إلى مدارس تكوين المهندسين بتونس. وتستقبل جامعة نواكشوط العصرية سنويا ما يقارب 15 طالبا تونسيا جلهم يدرسون في كلية الطب.
وتساهم الإطارات التونسية وخاصة منهم الأساتذة الجامعيين في إرساء منظومة جامعية متطورة لدى مؤسسات التعليم العالي الموريتانية، فقد تمّ انتداب عدد هام من الأساتذة المبرّزين ومدراء أقسام بصفة دائمة للتدريس بالمدرسة العليا للتقنيات بموريتانيا، إضافة إلى عدد آخر من الأساتذة الزائرين الذين يدرّسون بكلية الطب بنواكشوط. كما سيتم خلال السنة الجامعية 2018/2019 انتداب مجموعة من الأساتذة الجامعيين للتدريس بمدرسة "Polytechnique" الموريتانية.
كما يمثل القطاع الصحي مجالا هاما في التعاون الثنائي، وتعتبر بلادنا الوجهة الاستشفائية الأولى المحبّذة من طرف الموريتانيين، حيث تستقبل المصحات التونسية العديد من المرضى الموريتانيين وعائلاتهم للمداواة والسياحة. كما أن هناك حركية هامة بين الأطباء الموريتانيين ونظرائهم التونسيين الذي يشاركون في الملتقيات المختصة في كلا البلدين.
ونظرا للخبرة التي تمتلكها بلادنا في مجال إرساء منظومة التكوين المهني، فقد طلب الجانب الموريتاني الاستفادة من هذه التجربة لبعث مراكز تكوين مهني، وعبّر عن رغبته في انتداب مكوّنين ومسؤولين عن المراكز.
وبالتعاون مع المنظمات المختصّة لدى الأمم المتحدة، فقد تمّ إرساء تعاون ثلاثي بين المعهد الأعلى للقضاء بتونس ووزارة العدل الموريتانية، لتأمين دورات تكوينية لفائدة قضاة وكتاب محاكم موريتانيين بتونس، علما وأن أوّل دفعة من القضاة الموريتانيين قد درست بتونس خلال سنة 1960. كما يعمل البريد التونسي على إنجاز مشروع منصة الدفع الإلكتروني بواسطة الهاتف الجوال لفائدة البريد الموريتاني، بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية. وتعتبر هذه التجارب نموذجية في التعاون الثلاثي لتنمية القدرات الموريتانية والاستفادة من الكفاءات التونسية.
كما يشهد التعاون التونسي الموريتاني تطورا ملحوظا في مجالات أخرى كالإسكان، والعمران، والنقل الجوي، والإدارة، والثقافة، والشباب، والرياضة، والبيئة.
وبإمضاء الاتفاقيات التي تمّ اعدادها في عديد المجالات بين تونس وموريتانيا، خلال الدورة 18 للجنة العليا المشتركة التونسية الموريتانية، التي ستنعقد خلال هذه الفترة، وتفعيلها من كلا الطرفين، ستكون هناك نقلة نوعية في العلاقات الثنائية على جميع المستويات وذلك نظرا للإرادة السياسية الحكيمة والصادقة لقيادتي البلدين.
السفير عبد القادر الساحلي