تنقل بعض مصادر إرشيف الإدارة الاستعمارية الفرنسية عن بيار مسمير، الإداري الاستعماري لدائرة آدرار الموريتانية (1950-1952)، وحاكم موريتانيا (1952- 1958)؛ والذي تولى لاحقا منصب وزير الجيوش الفرنسية قبل توليه منصب الوزير الأول في بلده، قوله :
« إن آدرار يمثل قلب السياسية في موريتانيا، كونه مهد أولى مراحل تأسيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية ».
وقد جاءت الأحداث التي ميزت مرحلة التحضير لقيام الجمهورية الإسلامية الموريتانية لتؤكد صحة كلام السياسي الفرنسي الحائز على وسام فارس من نظام التحرير وعضوية الأكاديمية الفرنسية؛ عندما كان على المختار ولد داداه أن يترشح ليكون مستشارا في الجمعية التأسيسية الممهدة لاستقلال البلاد؛ وبطبيعة الحال كان من المفترض أن يتم هذا الترشح من مسقط رآسه في بوتيليميت.
غير أن ترشح شخصية بوزن سليمان ولد الشيخ سيديا من نفس الدائرة سد الطريق في وجه القانوني الشاب الطامح لدور سياسي ريادي في الدولة قيد التأسيس.
يقول المختار في مذكراته (موريتانيا على درب التحديات) : « .... حين قلت ليسدل (سيد المختار ولد يحيى انجاي) إنه هو الزعيم السياسي الأنسب لقيادة البلد رد، دون أي لَبْس، بأنه لا يرغب في تقلد آية مسؤولية في المجال التنفيذي، وبالتالي فإنه لا يرى غيري ليكون ذاك المسؤول السياسي (الجديد) لقيادة موريتانيا (الجديدة)... » !
ولد ولد يحيى انجاي يوم 13 سبتمبر 1916 في أطار بآدرار، ولما كبر تحول لرائد حقيقي في مسيرة تأسيس الدولة الموريتانية.
انتخب نائبا في الجمعية الوطنية الفرنسية من 1951 إلى 1959؛ ورئيسا للجمعية الإقليمية بموريتانيا من 1952 إلى 1958، ثم رئيسا للجمعية التأسيسية لموريتانيا من 28 نوفمبر 1958 إلى مايو 1959؛ قبل أن يصبح رئيسا للجمعية الوطنية الموريتاتية من 1959 إلى 1961.. وهو من وقع على وثيقة الإعلان الرسمي لاستقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية بتاريخ 28 نوفمبر 1958.
أصر سيد المختار على تمكين صديقه ورفيق دربه (رغم فارق السن نسبيا بينهما)، فاصطحبه إلى مدينة أطار في رحلة بالطائرة وهناك أفصح عن "الهدف من الزيارة"؛ ما جعل صهره الوجيه والتاجر البارز همدي ولد محمود (والد زوجة ولد يحيى انجاي) يستدعي "جماعة" أهل آدرار المكونة من الشيوخ التقليديين والوجهاء، وأبلغهم بأن الموقف يستدعي أعلى مستويات التضحية ونكران الذات، لكنه اصطدم بكون "الجماعة" قد حسمت أمرها باختيار كل من الدي ولد سيدي بابه وولد كعباش، على مستوى أطار، وولد المنير بالنسبة لشنقيط..
وبعد مفاوضات شاقة وإصرار واضح من السيد همدي، أعلنت جماعة أهل شنقيط تلبية رغبة سيد المختار ولد يحيى انجاي بتنازل ولد المنير عن الترشح، ليتم تبني ترشيح المختار ولد داداداه بدلا منه، ودعمه؛ وبذلك انتخب "أبو الأمة" المقبل مستشارا في المجلس الإقليمي ثم نائبا لرئيس المجلس؛ ما مكنه، كرئيس لمجلس الوزراء، من ترؤس حفل إعلان استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية أمام جلسة استثنائية للجمعية الوطنية برئاسة سيد المختار ولد يحيى انجاي.
تغمد الله الرئيس المختار ولد داداه ورفاقه من مؤسسي الدولة الموريتانية المستقلة بحدودها الحالية؛ بواسع رحمته
السالك ولد عبد الله، صحفي