حين كان الفقيد محمدو أمباكه "دولف" في كامل صحته ولياقته كان حينها رجل الأمن والدولة الذي لاغني عنه في كل المهمات الأمنية في نواكشوط وفي الداخل وحتى في الجوار ، وحين أصبح طريح الفراش لم يكن سوى موظف بسيط في سلك الشرطة لا يزوره زائره ولا يهتم أحد لشأنه.
قصة محمدو رحمه الله وصراعه مع المرض عنوان لمعاناة العديد من الموظفين الذين تفانوا في خدمة الوطن بكل إخلاص وجدية،، تعددت الأسباب والموت واحد.
إن لم نمت اليوم نموت غداً، وإن لم نجرب الموت فقد تجرعنا مرارته عن طريق موت أحد عزيز علينا
ليس هدفي إثارة أحزان أو أن أقلب ذكرى موجودة في حنايا القلوب، ليس الهدف إثارة الحسرة في قلوب أذابها الحزن لكن الهدف هو تبيان أن ليس في هذا الوجود إنسان لم يذق ألم الموت و إن لم نجربه، صحيح أن سكرات الموت أكثر ألماً لكن لا نستطيع أن ننكر أن ألم الحزن على ميت مؤلمٌ أيضاً .
لبس الوطن أمس الخميس ثوب الحداد بإعلان رحيل رجل الأمن والإنسانية محمدو أمباكه (دولف) بعد صراع مرير مع المرض ، بعد معاناة بدأت من المستشفى الوطني وانتهت في المستشفى العسكري ، بعد إهمال فاقم من وضعيته الصحية بعد جرم ارتكب في حقه ، لماذا لم تتحمل الدولة نفقة نقله إلى الخارج ، لماذا لم يتحمل الجميع ذالك ،لكن من المستحيل أن يعيش محمدو آخر بينكم وقد فرطتم فيه ومن الصعب أن تعاشروا محمدو آخر وقد خطفه المنون بينكم وأنتم تتفرجون دون تحريك أي ساكن.
نحن بلد لا يقدر مثل هؤلاء حتى بعد رحيلهم ننكر لهم الجميل ، لقد استحق جنازة مهابة تمشي فيها الدولة بخيلها ورجلها ، لقد أستحق أن يلف جثمانه بعلم بلاده التي خدمها طوال حياته وسعى لاستتباب الأمن فيها ولرد الحق لأصحابه.
لقد كانت الحشود أمس التي شهدت جنازته "رحمه الله" رسالة على أنه عند الله مقبولاً و عند الناس محبوباً .
أشهد له وهو جاري منذ سنوات بالتواضع وحسن الخلق والصلاة في وقتها وحيث ينادى بها.
محمدو رحمه الله كان غصنا يانعا بديعا عصر حزن رحيله المفاجئ ضلوع محبيه وخفقت قلوبهم ألما وكمد.
أبكي أيتها العين واذرفي الدمع على ثمرة يانعة من ثمار شجرة "الشرفاء" الوارفة ، أذبلها القدر وباتت مجرد ذكرى.
يا لك من قاس أيها الموت ، نعم أنت حق على البشر علينا أن نؤمن ونقتنع بأنك حقيقة لا بد منها ، لكنك جئت كالبرق في غير أوانك ، جئت مهرعا في يوم قاتم السواد ، وسرقت بلمحة البصر شابا طموحا مازال في بداية حياته العملية ، كان دوما تواقا لتأدية واجبه الوظيفي ، منطلقا من مبدأ الإخلاص للعمل ولأسراره المهنية.
شاب في مقتبل العمر تتوسم فيه شعلة المثابرة ونكران الذات، كان يتمنى دوما أن يعيش حياة زاخرة بالأفراح والمسرات بين أهله ومحبيه ، لم تفارق الابتسامة محياه أما الطيبة التي كان ينطوي عليها قلبه المحب فإنها كانت ملتهبة بتقديم العون والمساعدة مع جميع الناس ، فكل ما كان يحتفظ به من النقاء وروحية التعاون وطيبة المعشر جعلته محبوبا عند كل من عرفه وذرف الدمع برحيله.
وداعا أيها المتواصل في العطاء, وداعا وأنت المغادر جسدا والحي روحا بين أهلك ومحبيك .
رحمك الله تعالى وأبدلك شبابك بالجنة وألهمنا جميعا الصبر والسلوان .
وإنا لله وإنا إليه راجعون.