حول رجال الظل.. ورجال الشمس؛ دار جدال واسع أمس الأول وأمس وما انصرم من هذا اليوم على صفحات المواقع الاجتماعية في موريتانيا.
الفتيل الذي أوقد الشرارة هو مقال للدكتور محمد إسحاق الكنتي حمل عنوان "حتى نهاية المعركة.. رجل الظل".
الرجل وإن حاول تشتيت أذهان القراء في نهاية المقال، بحديث معتسف عن الدكتور محمد محمود ولد سييدي و"تواصل"، إلا أن رسالته وصلت ـ للأسف ـ للجميع منذ الفقرات الأولى من النص، حيث تحدث عن الرئيس المصري أنور السادات والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وتوليهما إلى الظل أيام حكم سلفيهما الرئيسين جمال عبد الناصر وهواري بو مدين.
ولم يكتف بهذين المثالين بل أضاف ثلاثة أمثلة أخرى على الأقل، وهو ما جعل مستقبلات القراء تضبط الموجة الصحيحة التي بث عليها الدكتور بوضوح لا يجدي معه تشويش الفقرة الأخيرة من المقال.
عد البعض الأمر "وشاية"، ومحاولة للوقيعة بين رفيقي سلاح، وصديقي عمر، وأخوي هم وفرح وترح، وهو تفسير أجل عنه الدكتور، وإن كان بعض المهمشين ـ بكسر الميم الثانيةـ والمحشين قد رموه بذلك.
إلا أنني ، ومن باب التماس أحسن المخارج ، أظن أن الدكتور ربما تلاقت مصالحه أو أفكاره أو مطامحه مع بعض الشخصيات في النظام، التي تخاف أن تفقد امتيازاتها أو قربها من هرم السلطة، إذا ما غادر رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز المنصب السنة المقبلة، وهي التي أوحت إليه كتابة المقال.
على أية حال كان الدكتور ـ ربما "شجاعة" أو سوء تقدير للعواقب أو ارتماء أعمى في أحضان لوبي معين ـ مفجر البالونة الأولى التي تحوي إلى جانب الهواء الماء، وهو ما أدى إلى ابتلال ثيابه ببعض الماء.
حمولة البالونة السلبية، وأداؤها لعكس ما كان يرومه الواقفون خلفها، دفعت الدكتور وجماعته إلى الترنح ومحاولة استغفال المتلقين علنا، وتجريب وصفات أخرى تقليدية في الظل من قبيل العودة إلى الميكانيزمات السابقة للدولة لتلافي أضرار انفجار بالونة الماء والهواء، مثل الزيارات العائلية.
كانت تلك مقدمات معينة على فهم ما تحت السطور، أو ظلال الحروف؛ استعارة من رجل الظل وظل الرجل فنحن في رحاب الظلال؛ وإن كان يوم الظلة يوما عبوسا قمطريرا. للأسف الشديد، لا يفرق الدكتور بين رجال الظل ورجال الشمس، وهو شيء غريب على من هو في قامته ومستواه المعرفي.
يعرف الدكتور ماذا تعني حكومة الظل في بريطانيا، وهو المتضلع ثقافة انجلوفونية، ويعرف أن رئيس وزرائها هو رئيس الحزب الخاسر في الانتخابات، وأنها حكومة موازية، تشبه تماما مكتب مجلس شيوخنا الموقر المنحل الذي يصدر البيانات ويفرض القرارات على الفاضي.
كيف يكون رجل ظل من يمسك زمام المؤسسة العسكرية كلها منذ عقد من الزمن، أم أنه يريد من اللواء أن يتحدث لوسائل الإعلام في كل كبيرة وصغيرة.. عفوا هناك مناصب تفرض على أصحابها الصمت، لكن ذلك الصمت يصاحبه عمل متواصل..
وبالمناسبة الدكتور يكتب ويتحدث ما شاء الله كثيرا، فهل أدى ظهوره المتواتر على المواقع والتلفزيونات إلى تحويله إلى "رجل شمس"، بمعنى حاكم أو مشارك في التسيير ووضع الرؤى العامة وتطبيقها، كلا لم يبرح الدكتور مكانه رجل ظل يكتب في ضوء الخطوط العريضة التي تملى عليه بكرة وأصيلا. ثم كيف يغدر بالصديق من أئتمنه صديقه في أحرج ظرف مر به، وسط زوابع عن اليمين وعن الشمال، وتضارب للأنباء وسريان للأراجيف، ولم تتغير فاصلة واحدة في ترتيب دولة سير فيها الرجل الأمور الجارية أربعين يوما، صال فيها الطيف السياسي؛ بمن فيه موالون، وجال بين العجز والتعجيز، ودعوى الشغور وأيمان الطلاق والعتاق والظهار.
علاقات الرجال، أيها الدكتور، أي رجال، ليست بنت اليوم، ولا تنبني على انطباعات عابرة يوحي بها أغرار في فن المؤامرات ما قبل البدائية، تلك العلاقات أعمق من التحالفات وأقرب للإخاء الحق، عندما تكون بين من تقاسم الحلو والمر، من رمته الأيام في خندق واحد لأكثر من عشرين سنة. بين من ركب الأسنة؛ ونفذ الانقلابات معا، ومن عُزل في نفس اللحظة، ومن قاوم العزل جنبا لجنب، ومن.. ومن.. لقد ذهب بك أصدقاؤك أيها الدكتور الأعز إلى غير ميدانك، وما فطنت إلى أنهم جعلوا منك البالون الذي سوف ينفجر في أي لحظة، لو اكتفيت بسجالاتك مع الإسلاميين وقطر ودفاعك عن القذافي لما فتحت على نفسك بابا يعجزك سده.
ختاما، سيدي الدكتور، تذكر هذه الحكمة المجانية، وقد تؤخذ من غير حكيم، لا تكن بالونا فتنفجر عند ملامسة أبسط عود ثقاب، وإياك وما يعتذر منه.
بقلم: محمد ناجي ولد أحمدو