لنعْترف أننا أحيانًا ، بل كثيرًا ما نجامل ونخاتل وننافق ونحابي ونتسلق ، حين نقف أمام سيل الكلام الذي يأتي تحت تسمية النضال ، وينشر على الفيس بوك ، أو يُنثر في المواقع.
وليس جديدًا على أي زمان أو مكان أن يختلط الرخيص بالثمين ، والحابل بالنابل، والثقافة بالسخافة ، وأرقى الكلمات بأتفه الثرثرات ، هذا طبيعي ، فليست كل المعادن ذهبا ، ومع ذلك هي موجودة في الطبيعة ، وحتى في دكاكين الصاغة إلى جوار الذهب!.
النضال شرف وصدق ، لكنه غير محمي ، ولا محصّن وهذا ما جعل الكل يتواطأ على إدعائه ونهبه واختلاسه ، والتلطي وراء بريقه الأخاذ الجميل. كلـُـنا نجامل كلـَـنا .. هذا طبعٌ بشري ، نقول للقبيح مواجهة ً ما أجملك ، ونذمه ونحقره حين يشيح بوجهه عنّـا ، الجبنُ أيضا طبع بشري ، والتملق سمة العصر .
تخيلوا لو كنا صادقين ، وقادرين على المواجهة بجرأة العارف،لا بجرأة الكيدية،كم كانت ستختلف الأمور .
ليس المطلوب أن نشهر سيوفنا في وجه الكل ، المطلوب أن لا نبالغ في صناعة الزيف لا أكثر ولا أقل ، المنطق أن أقول ان كل ما نراه الآن -مع استثناءات قليلة- استشعار بالظلم ، وابحث فيها عن بدايات بذور وتبرعم ، وأهمس لصاحبها أو صاحبتها أنه لا بأس به ، لكن بعد حين ، بعد أن يقرأ أكثر ، ويصغي أكثر ، ويتعلم كيف أنه من خلال فهمه لحجمه وقيمة تضحياته يكتسب احترامنا أكثر من الجميع.
نحن لا نفعل ذلك ، - وأنا من بين النحـن - ، وإن أحاول أحيانًا أن لا أحمل الفرشاة لصالح التلميع والذي يؤدى لخراب عام وأكيد. أحاول أحيانا أن أشير إلى المنحرف بتسميته ، وأحاول أيضًا أن لا أصمت كما يطلب مني كثيرون حين أحضر اجتماع او أمسية تخلو من أي بصيص وعي ، بأكبر مشكلة تواجه مستقبلنا جميعاً و تجاهل تام لقضية لحراطين بل تقزيمها وجعلها امر ثانوى لا يحتاج كل هذا الزخم .
وكم يؤلمنى أن الجميع بلا استثناء قامات طويلة ، وأقزاما في الوقت نفسه يشعرون بالخطر على الوطن ، وكلهم يطالب أن نضع حدا لهذا الهبوط ، أشخاص يقودون عربات الخطأ ، ويرفعون الصوت : لماذا هذا التعدي على النضال؟.
يا جماعة نحن أعداء النضال ، لكننا لا نعلم ذلك ، أو ربما نعلمه ونتجاهله ، نحن بحاجة فعلا لمن يعلمنا ما هو النضال وما هي التضحيات والمواقف بل ماهو المبدأ والهدف و الوسيلة ومن هو المناضل و الزعيم اوالقائد وما الفرق بينه وبين المتناضل والمتزعم الذين نصبوا انفسهم مناضلين وقادة، قبل ان يسميهم الآخرون كذلك ، ويعلمنا اكثر ديينا الحنيف الرحيم وكيف ننعم فيه بالسلامة و الرحمة ونشعر بالعدالة والمساواة!.
أقول إن الغلط لا جنس له ، وتعميم الغلط وتلميعه أيضا لا جنس له ، ولا دراية ولا معرفة، الغلط هو الغلط. (على الوطنية ان لا تغمض اعيننا عن قول الحق فالخطأ خظأ مهما كان فاعله) مالكوم إكس.
البعض يجامل لوجه الله، والبعض يشجع لوجه الغاية ، والبعض يحايد ، لكنه بينه وبينه يحترق ، وأنا مع أن يرفَع هذا البعض إن كان غيورًا بالفعل على الوطن أصبعه او صوته أو قلمه، النضال نضال مرحلى للوصول الى غاية معينة رغم النواقص والمآخذ المتجاوزة عمداً او سهواً ،وهذا ما يتطلب منا التركيز على الوسيلة للوصول الى الغاية ، الزعيم وسيلة وليس هدف ،والنصال وسيلة للهدف الشامل والحلم الكبير .
لا أطالب بمحاكم تفتيش ولا بأحكام عرفية ، ولا وصاية ،أدعو فقط إلى تقليل التكاذب ، وإلى قول الحقيقة ، فقط كرمى لهذا البلد الذي ندعي جميعنا محبته والحرص عليه ... ولتمتلىء المنابر بالأصوات إناثا وذكورا ، لكن دعونا لا نقول عن أي كلام نسمع أو نص نقرأ، انه نضال او تنظير او تأطير ما لم نرى ذلك واقعيا، او ميدانيا.
دعونا نشجع كل المقبلين والمقبلات على القضية الأم ، والمؤلفة قلوبهم ،مهما كان لونهم او شريحتهم، نشجع بصدق ، ونضع الأمور في نصابها ، والنصوص في مسمياتها ،ولا نتنكر للتضحيات كي يستقيم النضال والمناضل، وكي نحترم أنفسنا ، فلا نكون عملاء التحامل،حتى لا يضيع النضال بين العمالة والتخوين .
بقلم / هارون ولد ممادي