وانطلقت الحملة الانتخابية الممهدة لاستفتاء الخامس أغسطس 2017 لاعتماد التعديلات المنبثقة عن حوار أكتوبر 2016 بين الأغلبية وجزء من المعارضة، تعديلات هي في جوهرها وحقيقتها حزمة إصلاحات نوعية تؤسس لعهد وطني جديد ومرحلة مضيئة من تاريخ موريتانيا الحديث، حيث البنود الجديدة التي تهتم بالحكامة الرشيدة وإعادة هيكلة المؤسسات الدستورية في الوثيقة الدستورية لسنة1991 والتي تحتاج إلى المراجعة والتمحيص بعد مضي أزيد من ربع قرن على اعتمادها، كما تترتب على هذه التعديلات أيضا إصلاحات ذات أبعاد تنموية كإنشاء المجالس جهوية التي تكفل للمواطن الموريتاني البسيط حق المشاركة بصفة ميدانية في رسم وإعداد السياسات التنموية الخاصة به وذات الصلة بمجاله الجغرافي وتضمن له الاستفادة من ثرواته الوطنية، وتحقق مبدأ التوزيع العادل للثروة والدخل، وتعمل على ثمين المقدرات والموارد الاقتصادية الخاصة بكل منطقة وجهة موريتانية، مما ستكون له نتائج على التنمية الاقتصادية في بعدها الوطني الشامل.
الإصلاحات الدستورية المنتظرة بعد إقرار هذه التعديلات تعتبر ذات أهمية كبيرة في جوهرها ودلالاتها بل وتوقيتها وهي تؤشر بشكل واضح إلى دخول موريتانيا مرحلة جديدة وتاريخية من عمرها السياسي، لا تقل أهمية عن مجمل الأحداث الكبيرة والمفصلية منذ الاستقلال وإنشاء الدولة قبل ما يقرب من ستين سنة، تبشر بما يمكن وصفها موريتانيا في عهد الجمهورية الثالثة نظرا لأهمية هذه الإصلاحات وشموليتها وتلبيتها لمتطلبات النهضة والانطلاقة نحو إعادة بناء الدولة الحديثة.
إصلاحات مرتبطة في توقيتها مع مرحلة نضح مشروع التغيير البنّاء انطلق منذ 2009 على يد فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، وتحقق جملة من الإنجازات الهامة والكبيرة على مختلف الأصعدة مثلت عهدا جديدا من المصالحة لموريتانيا مع تاريخها المجيدة وحاضرها المشرق، عهد الاهتمام ببناء الكيان الموريتاني، عبر الاهتمام بمصلحة الوطن والذود عن حرمته وهيبته، والتركيز على تلبية مطالب المواطن البسيط والوقوف إلى جانبه من خلال توفير حاجاته الأساسية وإحداث طفرة نوعية في الخدمات والمرافق الضرورية وإعادة الاعتبار لدور موريتانيا في محيطها الإقليمي والدولي عبر العمل الدبلوماسي النشط، وبناء قدراتها الذاتية في مجال الدفاع والأمن.
وهكذا تأتي هذه الإصلاحات الدستورية لتتوج هذه المرحلة.. مرحلة المشاريع الوطنية الكبرى، والإنجازات النوعية التي تحققت منذ 2009 والتي لامست هموم المواطن في مختلف المجالات مثل الصحة التي شهدت نقلة نوعية كمّا وكيفا في هذا العهد من خلال تعميم المراكز الاستشفائية على أغلب عواصم الولايات بعد أن كان يوجد فقط ذلك المركز الاسشتفائي اليتيم الوحيد في العاصمة نواكشوط، وكذا إنشاء المستشفيات المتخصصة واكتتاب الأطباء والأخصائيين وتشييد كلية للطلب خرجت دفعات من الأطباء الدكاترة لأول مرة في تاريخ موريتانيا، وتعميم مراكز تصفية الكلى على المستوى الوطني مع التكفل المجاني بهم، وهذا الأخير هو إنجاز نوعي حتى على مستوى دول المنطقة.
وكما هو الحال بالنسبة للصحة طالت الإنجازات النوعية الأخرى مجال الإسكان والعمران مع مشروع التنمية الحضرية الذي انطلق سنة 2010 بتخطيط العشوائيات وكانت النتيجة تشييد أحياء جديدة بحجم مدن بما تطلبه ذلك من توفير الخدمات الأساسية من طرق وخدمات ماء وكهرباء ومدارس ومستشفيات بالإضافة إلى تشييد مدن وتجمعات سكانية في الداخل كان لها دورها الهام في تثبت السكان في مناطقهم الأصلية والتخفيف من الهجرة إلى نواكشوط.
الإنجازات والمتكسبات النوعية التي تحققت منذ سنة 2009 ـ والتي لا تكفي في الحقيقة هذه الأسطر القليلة لسردها والإحاطة بها ـ لم تقتصر فقط على هذا النموذجين مثل الصحة والإسكان بل طالت الأمن والدفاع والدبلوماسية حيث أصبحت موريتانيا في ظل عهد التغيير البنّاء دولة يحسب لها ويعتد بمواقفها في محيطها الإقليمي والدولي، بفضل بناء قدراتها العسكرية والأمنية والانتصارات النوعية على الجماعات الإرهابية التي تمت ملاحقتها حتى خارج الحدود، واستطاعت موريتانيا أن تبعد شبح تلك التهديدات الإرهابية ولقنت أصحابها دروسا وفرضت عليه الانكفاء بعيد عن حدودها بل أصبح لموريتانيا كلمتها الفصل في جميع استراتيجيات دول المنطقة والعالم في ما يخص مواجهة التهديدات الإرهابية، وأضحت نواكشوط منذ سنوات مقصدا وممرا إجباريا للمسؤولين وأصحاب القرار في دول المنطقة والعالم في ما يتعلق بتنسيق السياسيات ورسم الاستراتيجيات المتعلقة بأمن المنطقة، كما أصبح للجيش الموريتاني دور حاسم في مهمات حفظ السلم والأمن في مناطق التوتر بشبه المنطقة وإفريقيا. وبفضل هذه المكانة وتلك الجهود أيضا قاد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز العديد من جهود الوساطة الناجحة في قضايا الصراع بين فرقاء الأزمات في المنطقة.
وتضاف إلى جملة هذه الإنجازات النوعية تلك المتعلقة بوزن موريتانيا في محيطها العربي والإفريقي فلأول موريتانيا تكون نواكشوط قبلة وميدانا لانعقاد مؤتمرات القمم العربية والإفريقية من خلال تجربة القمة العربية في نواكشوط 2016، والقمة المنتظرة للاتحاد الإفريقي في 2018 أيضا بنواكشوط وهي نجاحات تحسب لفخامة رئيس الجمهورية بسبب حرصه على أن تكون لموريتانيا دائما مكانتها اللائقة بين الدول العربية والإفريقية بل ودول العالم بالاعتماد على ذاتها وإمكانياتها الخاصة، ورفع مختلف التحديات ونتذكر جميعا بفخر الجملة التاريخية الشهيرة لرئيس الجمهورية بخصوص الإصرار ـ رغم تثبيط المشككين ـ على عقد القمة في موريتانيا، فقد سجل التاريخ عبارة الشهيرة "ستعقد القمة العربية في نواكشوط ولو تحت الخيمة" بأحرف من ذهب كرمز لقوة إرادة الشخصية الموريتانية وقدرتها على رفع التحدي مهما كان.
واليوم تدخل موريتانيا بهذه الإصلاحات الدستورية مرحلة مهمة من مسيرتها الوجودية، بعد أن أسست لتلك المرحلة جملة هذه الإنجازات العملاقة التي تحققت على أرض الواقع بالفعل وتلك التي ستكتمل أشغالها في القريب العاجل، وترسم موريتانيا معالم نهضتها الحديثة معززة بتفويض شعبي ستجسده المصادقة المتوقعة على التعديلات، وهي رسالة واضحة من النظام والحكومة إلى شركاء الوطن من السياسيين المعارضين الذين تخلفوا على المشاركة في التأسيس لهذه المرحلة، تذكرهم بخطأ رفضهم الاستجابة لنداء الحوار الذي كان أطلقه رئيس الجمهورية، رغبة وحرصا من فخامته على أن يكون بناء موريتانيا والدفع بها إلى هذه المرحلة المهمة من تاريخها بمشاركة جميع أبنائها وسياسييها، رسالة مفادها بأن قطار التغيير البنّاء الذي انطلق في العام 2009 سيواصل المسيرة خدمة لهذا البلد موريتانيا وشعبها، الذي يستحق بذل الجهد والتضحية حتى تبقى حضنا لجميع أبناءه وحتى يبقى حضورها مشهودا في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
الطالب ولد إبراهيم/ عضو مبادرة "أقلام في خدمة الوطن"