في لمظة وقت من غفوة في الزوال بدت لي موريتانيا نخلة خضراء باسقة تصارع أمواج الرياح الناتجة عن تصحر العقول وغياب تفتح مدارك الأدمغة الواعية بقدسية الأرض والأرض فقط ...
أتذكر أني كنت من بين الذين حملتهم سفينة حب الوطن والتطلع لمعرفة مريدي طريقة التصحر تلك في المشاركة في أيام "الحوار الوطني الشامل " من أجل كتابة معالم دولة حديثة تؤمن بالديمقراطية والعدالة والحرية والعيش المشترك ....
كانت الخطوة الأولى لتحقيق ذلك تعديل الدستور كليا و تجاوز الشعارات التي لاتحمل طابعا وطنيا بما في ذلك العلم والنشيد ليكونا مرآة للوطن وليس للرجال فاستلزم الأمر تعديلهما ليتماشيا مع اللحظة وعلى غرار ذلك كانت المنظومة التربوية للاممنهجة سلفا في أشد الحاجة للإصلاح والتقنين لتكون حلقة وصل بين تكريس الماضي وتوعية الأجيال في الحاضر وكل هذا وذاك مرتبط بتعديل الدستور القديم حتى يلامس الناشئة ويكون مستند حجة لمن يتبنون فعليا نظرية "تأسيس الدولة الحديثة "
فموريتانيا اليوم تحتاج إلى تغيير عقليات أبنائها لينفضوا عنهم النظرة المصلحية والفكر الأحادي ؛ والتقليد الأعمى فعيب كل العيب أن يكون الحامل لهم وطنه رثية إذا قيد مستكرها أو غير مستكره ينقاد كما المعزاة التي تهرع خلف صوت خشخشة القمح !!
وليتخلصوا من تلك القيود عليهم أن يؤمنوا بالوطن وليس بالإيديولوجية وبالمؤسسات وليس بالرجال وكل ذلك مرتبط بإصلاح المنظومة التربوية وإعطاء قيمة حقيقية للمدرسين والمربين واحترام التخصصات وأصحاب الكفاءات ...إلخ
لكن ومع ذلك كنت أسمع دوما في وسائل الإعلام الوطنية وعند بعض الأصدقاء من الطرفين ( رافضين ومساندين لتلك التعديلات الدستورية ) أن ثمة من يتوجس خطر بعض الموازيين الذين يعملون هنا وفي صمت مطبق لتفكيك البلد سياسيا وزعزعة أمنه قاريا لحاجة في نفس يعقوب غير مقضية ....
بدا لي هذا التحليل غير مستساغ سيما وأن الولاء غير الكلي عندي لايعدوا الأهل والوطن والجغرافيا ، وكنت إلى الآن أجزم يقينا أن الولاء الجزئي لايقبل تعددية الأوطان ولايسمح باختراق الأفكار المعادية للتنمية والبناء والتأسيس للجغرافيا المشرفة وما زلت كذلك ،
لكني وبعد ماسمعت - اليوم - بعض من يحملون يافطة " المعارضة الراديكالية " وهم يسمون محاولة بناء الدولة الجديدة برموزها ومؤسساتها ودستورها والتي كنت عليها من الشاهدين ب"الإنقلاب على الدستور " أصبت بنوبة ضحك أزالت عني بعض الإرهاق وتضييع الوقت في تصفح المنشورات الغرامية في هذا الفضاء ، ليعروني حب تطلع شديد في تفكيك يافطة القوم
أما المعارضة فقد بدا لي أنها ضد التزلف للحاكم في اصطلاح السياسيين لكنها عندنا نقيضة للمحكومين وليس للحاكم !!
كيف لا ؟ وهي التي تجسد في أبنائها تقديس راية الحزب على حساب راية الوطن وتكرس في النفوس دستور الايديولوجيا والإنتماء الضيق على حساب دستور الدولة الحديثة فالوطن برموزه العصرية التي تخلد دم الشهيد وتمجد الوطن برموزه في سعي لبناء جيل وطني بامتياز يحمل الهم العام ويلفظ المصلحة الشخصية جانبا ويقدس الوطن وليس الرجال في إطار بناء بلد عصري ننعم فيه جميعا بالأمن والأمان والعيش المشترك مجرد يافطة لما وراء الوراء كما يقول أصحابنا " الراديكاليون " في محاولة لبرم صفقة مع النوايا واستراق للغيب من وراء جدار سميك هان عليهم وعسر على غيرهم وكل هذا مدلل على تغلغل تلك الراديكالية في بنية القوم !
أعني هنا راديكالية الأفكار وليس راديكالية الأشخاص والأحزاب فالأولى تبرر الصنيع والثاني تمجده وبين هذا وذاك تبقى موريتانيا حبيسة المصالح والأقنعة إلى أن تصحوا على دستور جديد يلزم المعارضين بالوطن وليس بمن وراء الحدود وتكرس فيهم الحداثة بدل الرجعية .
محمد سالم سيدامين
#نعم_للتعديلات_الدستورية