تثير العلاقات بين المغرب وموريتانيا عددا من الإشكالات، خاصة أنها عرفت حالة من الشد والجذب بين الطرفين، بالنظر إلى عدد الملفات التي يختلف بخصوصها الطرفان، ما يجعل جوارهما ينحو إلى الحذر، أكثر منه إلى التعاون، خاصة مع التوتر الأخير بينهما على خلفية تصريحات للأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، وما تلاها من جدل.
وسلط تقرير جديد لمركز الجزيرة للدراسات الضوء على "الجوار الحذر" بين المغرب وموريتانيا، معتبرا أن ما شهدته العلاقات بين البلدين من سخونة خلال الآونة الأخيرة يخفي وهج عدد كبير من الملفات العالقة بينها، والتي لم تجد طريقها نحو الحل النهائي.
ومن أبرز هذه الملفات، يؤكد التقرير ذاته، النزاع حول ملكية مدينة الكويرة، بالإضافة إلى الموقف الموريتاني من مسألة الصحراء، الذي يعتبر أحد أبرز دوائر العلاقات المعقدة بين المغرب وموريتانيا، وهو الموقف الذي يعتبر شديد الحساسية السياسية بالنسبة للمغرب، وكذا تباين وجهات النظر حول إستراتيجية مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
"وإلى جانب هذه الملفات الحارقة، تحضر العلاقات الإستراتيجية بين المغرب والسنغال، جارة موريتانيا الجنوبية، والتي كثيرا ما ألقت بظلالها على تعقيدات العلاقات الموريتانية السنغالية. وبهذا تجعل هذه العوامل بنية العلاقات بين البلدين بنية معقدة غير مستقرة الطبيعة، تتجاذبها أمواج القطيعة تارةً، وأمواج الوئام تارة أخرى"، يضيف التقرير.
ويؤكد الباحث الحسن حمود أنه رغم أن التوتُّر الضمني ظل سيّد الموقف في العلاقات المغربية الموريتانية في الفترة الأخيرة، إلا أنّ عوامل كثيرة تفرض على صانعي القرار في البلدين السير -ولو مُرغَمين- في مسار تعاوني جاد، "إذ إن العلاقات التاريخية بين البلدين لا يمكن اختزالها في مراحل آنيَّة، فهي علاقات تفرض حتمية التواصل. وبالحسابات الاقتصادية البحتة لا يمكن أن يستغني أي من البلدين عن مصالحه الاقتصادية المرتبطة بالجانب الآخر بحكم إكراهات الجغرافيا؛ ونظرًا لحجم الخسارة في حالة تبنِّي خيار القطيعة"، على حد تعبيره.
وبخصوص استشراف آفاق العلاقات المستقبلية بين البلدين، رجح التقرير عودة العلاقات بين البلدين إلى مجاريها، أو تطويق الخلافات في حدود تجعل من الممكن السيطرة عليها، وبذلك تصبح حدود الحركة والمناورة بالنسبة للمغرب مرسومة الملامح وواضحة الحدود، بحيث تجعل من الضغط الاقتصادي ورقة خطرة لا يمكن استخدامها بشكل شامل وكامل إلا في حدودها الدنيا، حتى لا تبدأ الآثار الرجعية في الارتداد عليها وتوصل الأمور إلى القطيعة الشاملة، كأن يتوقف المغرب عن تموين السوق الموريتانية بالخضروات والفواكه لفترة محدودة ومدروسة تراعي موعد بدء ظهور ذلك النقص جليا في السوق الموريتانية.
أما بالنسبة للصعيد السياسي، حسب الورقة البحثية، فقد يذهب المغرب إلى استخدام ورقة السنغال كورقة إستراتيجية، لكن دون أن تدفع الأمور أيضًا إلى حافة الحرب لما يمكن أن يسببه ذلك من نتائج كارثية، واصطدام مع قوى دولية تعتبر استقرار غرب إفريقيا ضمانًا لمصالحها ولنجاح الحرب ضد الإرهاب.
في مقابل ذلك، تبقى لموريتانيا حدود حركة في حالات التوتر في الجانب الاقتصادي ضيقة جدّا؛ لكون الفائدة الاقتصادية القادمة من المغرب في شتى المجالات كبيرة جدّا، والخسارة الاقتصادية المترتبة عن استعمال هذه الورقة كبيرة؛ لكنها في الجانب السياسي تتمتع بهامش مناورة كبير يتراوح ما بين تشكيل حلف إقليمي مع الجزائر من أجل تضييق الخناق على المغرب، مرورًا بدعم البوليساريو على الأرض وفي المحافل الدولية، حسب المصدر ذاته.
هسبريس