رواية " أطفال السبيل " وذلك النسر الذي يحوم فوق الجميع ليلهم " طاهر الزهراني " و ليخرج علينا بإحدى أروع الافتتاحيات الروائية.
فإن كانت عادة حفظ المقدمات لدى " بانك " مستلهمة من افتتاحية " مئة عام من العزلة " " لماركيز" ، فإنني مدين لطاهر الزهراني على هذا الوصف الساحر الذي استعيره منه. كشعب لنا كامل الحق في إتخاذ القرارات صائبة كانت أو خاطئة بحثا عن الأفضل مثل باقي الأمم.
ظل ذلك الغراب رمزا شعبيا لتشاؤم، وسدول اليل الغير المنجلي، ولربما استعارتي لنظرته دليلا على تشاؤمية، لابأس اروني سببا لكي لا أفعل! .
بعد أن ظن شبابنا لوهلة انه تحرر من قيد الدكتاتورية التي كانت تقيده وتستغل طاقته هاهو اليوم يصاب بخيبة أليمة، شباب مغيب فكريا منتكس أخلاقيا، هذه ليست لغة بكائية ولكنها محاولة لتوصيف الواقع كما هو.
فإن الغراب بعد رؤيته لشنقيط وصفنا وقال :
مجتمع فخور بمبادئ و قيم يطبقها ببراغماتية وشباب يدفعون تحت عين الشمس شذاذ الآفاق الذين حاصروهم بين الحرمان والضياع، سيرى حلم الديمقراطية الجريح وكل ما لم يعد الحديث عنه ترفا مثل العدالة والمساواة.
فبما أن الأقدار مكتوبة بين الخير والشر و الأمن و الخوف، والحق و الباطل، فإننا نتنسى أن واجب الاستخلاف ليس بالضرورة أن يكون المرء مصيبا دوما بل أن يمتلك الشجاعة للعودة من منعطف الأخطاء.
الحياة ليست سكونا ودعة تامة بل هي مسرح ولاعبون بتعبير " شكسبير " ، إن الغراب يسجل في مروره هذا قصصا ستحكى لمن سيكونون بعدنا فوق هذه الأرض.
سيحكي لهم عن شباب ضائع ومجتمع حائر ودولة بين مطرقة القبيلة وسندان الرداءة. شباب يحاول اقتحام ساحة سياسية مصابة بوباء الشيخوخة و طاعون الفساد، يصوف فيها أحدهم لايدري هل يجابه المد أم يستسلم ويغرق بسلام؟ خوفا على تحطم آماله على عتبات سياسة يقودها قوم " يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم قاموا " .
هنا في هذه البيئة يقاتل الشاب الموريتاني لكي يغير ما بقوم هم أنفسهم يأبون تغييره، فلا يدرك الشاب نفسه إلا وقد غاص في هذا البحر اللجي الذي لاقرار له إلا بيع الضمير أو تحمل سوء العيش و نكد الدهر .
لأن غالبية شبابنا الذين تجرفهم الحماسة و تنطلي عليهم خطابات زائفة من بعض تجار القضايا العادلة، غالبا ما يصرعون و تسود عليهم الدنيا وتضيق عليهم الأرض بما رحبت ، ليعلموا انهم راحوا ضحية استغلال نتن و كذب جلي.
أما الذي تدارك نفسه فيظل ما تبقى من عمره يحاول الإتزان على سلك رفيع مشدود، فيحاول أن يأمن بطش أبو جهل وان لا يسب " محمدا" ، خوفا من مصير شباب " آل ياسر " في دنيا على الأقل.
أنقل عنا يا غراب ما رأته عيناك، علك تعود مرسلا لترينا كيف نواري سوأتنا التي بلغت عنان السماء و باتت منارات تهتدي بها السفن في عتمة المحيط.
خالد عبد الله