كان سليمان ولد الشيخ باب ولد الشيخ سيديا أحد أبرز نواب الجمعية الوطنية عشية استقلال البلد عن فرنسا 1960، وأحد أكثر النواب إيمانا بالأسس الديمقراطية والمؤسسية بموريتانيا.
ولد رئيس الجمعية الوطنية الراحل سليمان ولد الشيخ سيديا في العام الذي ولد فيه سلفه في قيادة الجمعية الوطنية حمود ولد أحمدو (1924)، وفي آخر سنة من حياة والده عليهما رحمة الله.كانت مدينة أبي تلميت أبرز محضن فكري وتربوي عاش فيه، وكانت الأبهة والمكانة السياسية أبرز سمات الفتي المتحفز لخوض غمار الحياة السياسية رغم أنه أصغر اخوته.
يري الباحث الموريتاني سيد أعمر ولد شيخنا أن الإرث السياسي والفكري الذي يتمتع به الرجل كان أبرز محرك له نحو القيادة، لذا طرح نفسه في مواجهة مبكرة مع رموز المنطقة، معلنا ترشحه سنة 1953 لأحد مقاعد مجلس المستشارين في الجمهورية الفرنسية، في مواجهة مفتوحة مع الرئيس الراحل المختار ولد داداه الذي كان أيضا اعلن ترشحه للمنصب ذاته.
كان حزب الاتحاد التقدمي حاسما في قراره، فقد عدل عن ترشيح المختار ولد داداه عليه رحمة الله، ودفع بسليمان ولد الشيخ سيديا (29 سنة) لواجهة الفعل السياسي، فكان ممثل الدائرة الانتخابية الدائم في المجلس.
كانت تجربة مجلس المستشارين، ومكانة الأسرة التاريخية، والعلاقات الوطيدة بأغلب رموز البلد وكبار الفاعلين فيه، أبرز سند للمناضل السياسي، وكان طموحه للرئاسة بعد الاستقلال مشروعا كما يقول رفاقه.
تم انتخابه سنة 1959 نائبا عن مدينة أبي تلميت ضمن صراع مرير علي المنصب مع بعض الأطراف الأخري، وفي سنة 1960 تم تعيينه سفيرا لموريتانيا في واشنطن ونيويورك، وكان أحد أبرز المدافعين عن استقلال البلاد، وأحد الذين قادوا الدبلوماسية الموريتانية الوليدة.
شغل سليمان ولد الشيخ سيديا أكثر من منصب في الداخل والخارج، وظل عنوان مقاطعة أبي تلميت مع كل انتخابات تشريعية تجري في البلاد إلي غاية استقالته من البرلمان 1964 بعد صراع مع الرئيس المختار ولد داداه ورفاقه الساعين إلي تقويض صلاحيات المؤسسة التشريعية.
في مواجهة الرئيس
بعد استقالة رئيس الجمعية الوطنية حمود ولد أحمدو اثر الخلاف مع المؤسسة الرئاسية، دارت حرب سياسية صامتة بين النواب والرئيس، وكان البعض لديه مخاوف جدية من انتخاب رئيس شكلي موالي للنخبة الجديدة، وكان حزب الشعب الوليد قد طرح فكرة انتخاب "الشيخ سعدبون كان" لخلافة حمود ولد أحمدو باعتباره شخصية غير مشاكسة، وهو ماقوبل بالرفض من جبهة الاستقلال.
غير أن الجبهة اختارت ارباك الرئيس، ونسقت سرا مع سليمان ولد الشيخ سيديا من أجل الدفع به إلي واجهة البرلمان، باعتباره شخصية محبوبة من أطراف عدة، وأحد المقتنعين باستقلالية النواب، مع مكانة اجتماعية وسياسية تجعل من امكانية تجاوزه أمرا صعبا، كما أن اختياره سيسقط الورقة الجهوية التي حاول البعض اللعب عليها ابان الأزمة بين رئيس الجمعية الوطنية حمود ولد أحمدو والرئيس المختار ولد داداه عليهما رحمة الله.
دخل الجميع في القاعة لعرض الترشحات، فكان المفاجئة المدوية سليمان ولد الشيخ سيديا يطرح نفسه مرشحا لرئاسة الجمعية الوطنية، يرتبك الحضور ويأمر الرئيس برفع الجلسة البرلمانية للنقاس.
يقول الباحث سيد أعمر ولد شيخنا إن المختار ولد داداه عليه رحمة الله خاطب سليمان ولد الشيخ سيديا قائلا " مستحيل أن يكون الرئيس ورئيس الجمعية الوطنية من نفس المنطقة" .. رد عليه الرجل بأريحيته المعهودة .. باب الاستقالة مفتوح أمامكم سيادة الرئيس لحفظ التوازنات الجهوية.
وينقل الباحث سيد أعمر ولد شيخنا عن هيبة ولد همدي القصة كاملة، وكيف تعامل المختار مع استفزاز النواب، وخصوصا رأس الجبهة المعارض مسير الجمعية الوطنية "يحي كان" الذي كان أبرز مهندسي الحوار والتحالف مع سليمان ولد الشيخ سيديا، مقنعا رفاقه بأن الخلاف الدائر بينه وبين الرئيس المختار ولد داداه منذ 1953 يمكن أن يثمر استقلالية في الرأي تضمن للبرلمانيين العمل بأريحية، كما أن استهدافه من قبل الرئاسة سيكون مكلفا لها، فسليمان ولد الشيخ سيديا ليس بالشخص البسيط الذي يمكن تهميشه أو اعتقاله.
بدت الخلافات مبكرة بين الرجلين، وتحديدا في الخامس من مايو 1963 – كما يقول المختار عليه رحمة الله في مذكراته- بعد أن رفض رئيس الجمعية الوطنية سليمان ولد الشيخ سيديا اقتراح الرئيس باصدار البرلمان قانونا يلغي استقلاليتها المالية، وهو مارد عليه البرلمان بالرفض المطلق.
ويقول الرئيس المختار في مذكراته إن رئيس الجمعية الوطنية (سليمان ولد الشيخ سيديا) اقترح اجراء حوار مع الرئاسة حول القضايا الخلافية، وهو ما اعتبره الرئيس "حوار طرشان".
وينقل ولد داداه عليه رحمة الله في مذكراته " موريتانيا علي درب التحديات (ص312) فقرة من رسالة رئيس الجمعية الوطنية يقول فيها حرفيا "لا أستطيع تحمل مسؤولية الزج بمصير الجمعية الوطنية في هذا الاتجاه، وتحويلها إلي مجرد غرفة تصديق علي القوانين".
توفي سليمان ولد الشيخ سيديا عليه رحمة الله 1999 بعد صراع طويل مع المرض، ودفن في البعلاتية، مخلفا فراغا كبيرا، وتاركا خلفه سمعة طيبة واستقلالية في الرأي ميزته عن الكثير من أقرانه.
زهرة شنقيط