هذه الأيّام، لا حديث في موريتانيا إلّا عن قرار تغيير العلم والنشيد الوطني، وتحديداً منذ طرح هذا الاقتراح على طاولة الحوار الذي جمع الأفرقاء السياسيين في البلاد، لبحث مستقبل البلاد والاتفاق على تعديلات دستورية. على صفحات "فيسبوك"، غيّر آلاف الموريتانيّين صورهم الشخصيّة (البروفايل)، ووضعوا العلم الموريتاني مع كلمات النشيد الوطني، تعبيراً عن رفضهم القرار.
وكانت المطالبة بتغيير النشيد والعلم قد بدأت قبل عامين، لتجد صدًى مؤخراً، وتلفت انتباه السلطات. ويمكن القول إنه بات هناك توجّه رسميّ لتغيير هذه الرموز، ما أثار حفيظة كثير من الموريتانيّين. وارتفعت أصوات المعارضين لتغيير العلم والنشيد، وزادت نسبتهم بعد نشر صور للعلم الجديد.
سعاد بنت الشيخ لغظف (33 عاماً)، وهي موظّفة، تقول إن تغيير العلم والنشيد ليس أولوية بالنسبة للموريتانيّين حالياً، وسيؤدّي فقط إلى احتدام الجدال والصراع بين دعاة التغيير والرافضين له. تضيف لـ "العربي الجديد": "لن يكتب أو يصنع شيء أفضل ممّا هو موجود"، لافتة إلى أن أجيالاً تربّت عليهما منذ استقلال البلاد، وصارا في وجدان كل موريتاني، وبالتالي لا يمكن استبدالهما". تؤكّد أنها ستصوّت للحفاظ على النشيد والعلم الحاليّين في حال طرح التعديل الدستوري هذا للتصويت، لافتة إلى أن العلم الجديد الذي اقترحته بعض الأوساط الحزبية لا يمثل الموريتانيّين، وتشبّهه بـ "إشارة المرور" بسبب ألوانه الحمراء والصفراء والخضراء.
وكان الموظّف نور الدين ولد محمدو (34 عاماً) مؤيّداً لتغيير العلم والنشيد الوطني، وإن كان قد تراجع مؤخّراً. والسبب، على حدّ قوله، هو عدم القدرة على كتابة أو ابتكار ما هو أجمل، ولأنّ المرحلة تفرض الحفاظ على المكتسبات المعنوية والمادية. يضيف أنّه إلى حين تجاوز هذه المرحلة، "علينا الحفاظ على الموجود، وإغلاق الباب في وجوه دعاة التفرقة والعنصرية".
ويخشى الموريتانيّون أن يشعل اقتراح تغيير العلم والنشيد فتيل المشكلة العرقية، ويحفّز الزنوج على إضافة لغتهم إلى النشيد. من هنا، تراجع بعض عن دعم التغيير العلم والنشيد، بعدما استغلّت بعض الجماعات النقاش لطرح مطالبها، منها منح الجنسية للزنوج، وغيرها.
من جهته، يقول المدرّس محمد الأمين ولد بابانا (41 عاماً) إن المشاركين في الحوار الوطني لم يجدوا ما يتحاورون حوله غير تغيير النشيد الوطني والعلم، و"هذان رمزان وطنيّان. عادة ما ندرّس النشيد للصغار ليبقى راسخاً في ذاكرتهم، ولا ننسى تعريفهم على علمنا. كيف يضيّعون كل هذا الجهد فجأة، ويطرحون فكرة التغيير، وكأنّهم نجحوا في حل جميع المشاكل التي تعاني منها البلاد".
ويرفض ولد بابانا كتابة نشيد باللهجة المحليّة "الحسانية"، مع إضافة بعض مصطلحات اللغات الأفريقية التي يتداولها عدد من زنوج موريتانيا. ويقول إن "بلد المليون شاعر الذي يحتفي بلغة الضاد ويتفاخر بها لا يمكنه الاستغناء عنها في نشيده، واختيار قصيدة باللهجة المحلية بدعوى أنها تجذب الموريتانيّين".
من جهته، يرى الباحث الاجتماعي عبد الله ولد الشيخاني، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن تغيير النشيد والعلم خطوة كبيرة يجب أن يتوافق الجميع حولها، لافتاً إلى أن معارضة هذا التغيير من قبل فئات في المجتمع لها وزنها السياسي والاجتماعي يجب أن تحترم، لأن الحفاظ على التوافق أهم من تغيير العلم والنشيد.
وعن الخطوات التي ينصح بها لتجنّب البلاد تبعات رفض البعض تغيير العلم والنشيد، يقترح الشيخاني إطلاق حملات توعية لشرح أهميّة هذا التغيير، وإنشاء لجنة من النخبة السياسية لتقديم اقتراحها في هذا المجال. يضيف أن "اللجنة لا يجب أن تكون أحادية التوجه والثقافة أو قليلة الخبرة. فالارتجال والتأثر بالعوامل الخارجية والميل إلى الاقتباس بدل الحرص على الأصالة، قد يؤثّر على الحس الوطني لدى الأجيال الجديدة". يضيف أنه لدى اختيار العلم الموريتاني خلال فترة الاستقلال عن فرنسا، اختيرت رموزاً إسلامية كالأرضية الخضراء للعلم، لما فيها من رمزية للإسلام، يتوسطها هلال ونجمة، ولهذين دلالة أيضاً في التراث الإسلامي. ويشير إلى أن تغيير العلم يجب أن يتماشى مع واقع موريتانيا، ولا يتجاهل ثقافة السكان المحليين وتاريخهم.
ويطالب موريتانيّون بتغيير النشيد الوطني بسبب لحنه وكلماته، إذ يرون أنه لا يعبّر عن تطلّعات الموريتانيّين، ولا يحث على الدفاع عن الوطن. يوميّاً، تعلو أصوات مطالبة بنشيد جديد يضج بمعاني الوطنية وعزة النفس ويتغنى بروح الانتماء والتاريخ والأمجاد. ويرى البعض أن هناك ضرورة لتغيير نشيد لا يثير مشاعر العزة والانتماء، في وقت يتمسّك آخرون به وقد ترسّخ في ذاكرة الأجيال منذ الاستقلال. تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الشعراء كتبوا أشعاراً بديلة للنشيد الوطني، رغم وجود تيّارات رافضة.
العربي الجديد