القاهرة ـ من خالد إبراهيم ـ تستضيف العاصمة الموريتانية نواكشوط الإثنين، لأول مرة في تاريخها أعمال القمة العربية العادية في دورتها الـ 27، تحت شعار “قمة الأمل” في محاولة لبثه (الأمل) لدى الشعوب العربية في مواجهة التحديات المتصاعدة التي يواجهها وطنهم الكبير.
وتكتسب “قمة نواكشوط” أهمية كبيرة، بعد أن أوشكت دورية انعقاد القمم العربية السنوية، والتي استحدثتها قمة القاهرة غير العادية عام 2000 أن تنتهي، عقب اعتذار المملكة المغربية في 19 شباط/فبراير الماضي عن استضافة القمة التي تُعقد عادة في نهاية أذار/مارس من كل عام، علما بأنه تم تعديل موعد عقد القمة العادية في دورتها السابعة والعشرين بمدينة “مراكش” المغربية من 29-30 أذار/مارس 2016، إلى 7- 8 أبريل /نيسان من نفس العام قبل أن تعتذر المغرب عن استضافتها لتؤول تلك القمة إلى موريتانيا، حسب الترتيب الأبجدي للدول الأعضاء بجامعة الدول العربية.
وأرجعت الخارجية المغربية، في بيان لها اعتذار المملكة عن استضافة القمة إلى أن “الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع″، مؤكدة “أن المغرب سيواصل عمله الدؤوب في خدمة القضايا العربية العادلة، ومحاربة الانقسامات الطائفية التي تغذي الإنغلاق والتطرف”.
القمم العربية، وبصرف النظر عن التوقعات بنجاح “قمة الأمل” أو فشلها، تخرج عادة، وفق المراقبين، بقرارات تصاغ بطريقة “جامدة” تصلح لكل زمان ومكان مما أفقد المواطن العربي الثقة في منظومة العمل العربي المشترك ومؤسساته، وعلى رأسها الجامعة العربية التي تأسست عام 1945 إلا أنها بقيت عاجزة ولم تقدم جديدا في القضايا العربية المصيرية خاصة القضية الفلسطينية.
وأكد سفير موريتانيا لدى مصر ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية ودادي ولد سيدي هيبة، أمام اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين بالعاصمة الموريتانية، الخميس الماضي، أن “قمة نواكشوط “تعقد في ظروف عربية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد”، لافتا أن القادة العرب “يدركون حجم التحديات التي تواجه تلك القمة”، آملا أن “تسهم القمة في تحقيق عمل جديد يستجيب لتطلعات وآمال الشعوب العربية لينعم المواطن العربي بحياة كريمة”.
وقد تم تجهيز خيمة كبيرة لاستضافة القمة العربية الحالية بموريتانيا، داخل مقر قصر المؤتمرات الدولى بنواكشوط، على أن تعقد اجتماعات الوزراء والسفراء داخل قاعات قصر المؤتمرات.
وبدأ انعقاد القمم العربية منذ أيار/مايو عام 1946، بانعقاد قمة “أنشاص” الطارئة في “قصر أنشاص” (بمحافظة الشرقية بدلتا النيل) بدعوة من الملك فاروق ملك، مصر لمناصرة القضية الفلسطينية، تلتها بعد عقد تقريبا قمة بيروت الطارئة في نوفمبر/تشرين ثاني 1956، لدعم مصر ضد “العدوان الثلاثي” (من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)، إلا أن تاريخ القمم العربية، حسب المؤرخين، بدأ فعليا عام 1964، مع التئام القمة الأولى في العاصمة المصرية “القاهرة”، أما قمة القاهرة غير العادية عام 2000، فاستُحدث خلالها مبدأ الانعقاد السنوي الدوري للقمة بعد أن كان يتم وفقا للحاجة.
وأعرب “ولد سيدي هيبة” عن تطلعه لأن تشهد الجامعة العربية ومنظومة العمل العربي المشترك في ظل توجيهات القادة العرب، “تحولا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مع ترؤس بلاده للقمة العربية”، معتبرا أنها في ظل قيادة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، للقمة ستكون قادرة على الدفع نحو عمل أرحب خلال الفترة المقبلة.
ومن “أنشاص” إلى “نواكشوط” مرورا بعواصم ومدن عربية عدة، تاريخ طويل من عمر القمم العربية، من أشهرها قمة اللاءات الثلاث في العاصمة السودانية “الخرطوم” في 29 آب/اغسطس 1967، بعد الهزيمة العربية من إسرائيل في حرب حزيران/يونيو، وحضرت جميع الدول العربية باستثناء سوريا التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد إسرائيل، وصدر عنها مجموعة من القرارات أهمها اللاءات العربية الثلاث الشهيرة “لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح مع إسرائيل“.
كما شهدت قمة بغداد في العراق عام 1978 مقاطعة مصر عربيا، وذلك إثر توقيعها اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، وشاركت فيها عشر دول مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يصدر عن المؤتمر بيان ختامي، لكن أهم قراراته عدم موافقة المؤتمر على اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمتها مصر مع إسرائيل ودعوة مصر إلى العدول عنها ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وتعليق عضوية مصر بالجامعة.
وإثر الغزو العراقي للكويت، احتضنت القاهرة في 15 آب/اغسطس 1990 قمة عربية، وتغيبت عنها تونس التي كانت تدعو إلى تأجيلها، ولم يحضرها من قادة الدول الخليجية إلا أمير البحرين (آنذاك الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة)، ومثل الكويت ولي عهدها الراحل سعد العبد الله الصباح، وأهم القرارات التي اتخذتها القمة هي إدانة العدوان العراقي لدولة الكويت، وعدم الاعتراف بقرار العراق ضم الكويت إليه، ومطالبته بسحب قواته فورا إلى مواقعها الطبيعية، بناء على طلب من السعودية، وتقرر إرسال قوة عربية مشتركة إلى الخليج.
أما القمة العربية الأخيرة في دورتها العادية السادسة والعشرين والتي عقدت بمدينة “شرم الشيخ” المصرية يومي 28 و29 آذار/مارس 2015، فقد كرست أعمالها لبحث لتحديات التي تواجه الأمن القومي العربي وتشخيص أسبابها، والوقوف على الإجراءات والتدابير اللازمة لمجابهتها، بما يحفظ وحدة التراب العربي، كما أقرت تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة.
وكشفت مصادر دبلوماسية عربية مشاركة في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في “نواكشوط” أن اجتماع المندوبين الدائمين للدول الأعضاء بالجامعة العربية شهد “الخميس″ خلافا في وجهات النظر حول ملف صيانة الأمن القومى العربى خاصة البند المتعلق بالقوة العربية المشتركة وسط توقعات أن يحال البند إلى القادة العرب مباشرة في قمتهم التي تلتئم “الاثنين”.
وكان المندوبون الدائمون لدى الجامعة العرببة قد عقدوا اجتماعا الخميس المنصرم، بقصر المؤتمرات في نواكشوط، للتحضير لاجتماع وزراء الخارجية العرب المقرر “السبت” تمهيدا لاجتماع قمة القادة العرب “الاثنين”.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، لوكالة الأنباء الموريتانية الرسمية “الخميس″، إن بند “القوة العربية المشتركة” سوف يطرح بقوة أمام القادة العرب، خلال اجتماعهم في قمة نواكشوط، رغم أن مشاريع قرارات القمة تناولت موضوع القوة المشتركة في بند صغير لا يحمل الأهمية التي تستوجب تشكيلها.
وكلف القادة العرب في البيان الصادر في ختام أعمال قمتهم الأخيرة في شرم الشيخ في أذار/مارس 2015 الأمين العام السابق للجامعة العربية نبيل العربي بالتنسيق مع رئاسة القمة “مصر” بدعوة فريق رفيع المستوى تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة بالدول الأعضاء بالجامعة العربية للاجتماع خلال شهر من صدور القرار، لدراسة كافة جوانب الموضوع واقتراح الإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة وتشكيلها وعرض نتائج أعمالها في غضون ثلاثة أشهر على اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك لإقراره.
ونص القرار على “أن القوة العربية المشتركة تضطلع بمهام التدخل العسكري السريع وما تكلف به من مهام أخرى، لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية وتشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية، بناء على طلب من الدولة المعنية“.
وتشهد المنطقة العربية نزاعات متعددة في اليمن والعراق وليبيا وسوريا؛ والتي أدت، حسب مراقبين، إلى تنامي نشاطات جماعات مسلحة عديدة، أبرزها تنظيمي “القاعدة” وداعش” الإرهابيين، إلى جانب جماعات أخرى تحمل أفكارهما.
وكان تنظيم “داعش” أعلن في آب/اغسطس 2014، قيام ما أسماه بـ”دولة الخلافة” على أراضٍ شاسعة سيطر عليها في العراق وسوريا، قبل أن يعلن تمدده أو تبايعه جماعات مسلحة في مناطق أخرى بينها ليبيا واليمن مصر.(الأناضول)