إلى القادة العرب... ما يفرقــ(نــا) أكثر مما يجمعــ(نــا) فهل (نلتقي) في قمة نواكشوط ؟

خميس, 21/07/2016 - 10:05

تقاس أعمار الدول والأمم والمنظمات الإقليمية والدولية بما تحققه من إنجازات ومكاسب لشعوبها

وما تجسده من تجليات التنمية والرفاهية والتقدم للدول وللشعوب.اين أمة العرب اليوم من أمم الأرض في مختلف مجالات التنمية والرقي ورفاهية الإنسان؟ وماذا حققت الجامعة العربية للعرب حتى الآن وبعد 71 عاما على تأسيسها؟!!
هل يمكن أن نقاس باليابان مثلا؟ أو بالصين ؟ أو بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مثلا؟ أين نحن مما حققته تلك الأمم في مجالات غزو الفضاء والصناعات والتنمية والتقدم في مختلف المجالات، وأين نحن منها في مجال احترام حقوق الإنسان وتكريس الحريات الفردية والجماعية وإرساء أسس الديمقراطية والحرية.
ألسنا نحن تلك الأمة التي يذبح بعضها بعضا ويتحالف بعضها مع (الشيطان) ضد بعضها الآخر ليمحوه من الخريطة كما حدث في العراق وليبيا وسوريا واليمن ومصر وتونس البقية تأتي ...؟!
أما آن لنا أن ندرك أن الشعوب سارت بعيدا وصارت بعيدا ونحن كما نحن في مرابعنا يقتل جساس كليبا ويثخن الزير سالم في قتلة أخيه ويتفرق جمعنا بين قتيل وأسير وضائع؟
ألسنا تلك الأمة التي أصبحت تحت رحمة (داعش) و(القاعدة) و(النصرة) وغيرها من مسميات القتل والذبح على الهوية؟ّ حتى أطفالنا لم يعرفوا طعما لطفولتهم، ليس في فلسطين وحدها، وإنما على امتداد خريطة العرب من الماء إلى الماء.
نغازل المحتل الصهيوني لكي يقتل منا وفينا وأول من يقتلهم هم أهلنا في فلسطين وقضيتـ(نـــا) المركزية الأولى أم القضايا التي نتنازل عنها في كل "قمة" من خلال مبادرات استسلام يدعونا قادة العدو إلى ان "نبل ميّتها ونشربها" فيما ينفذون هم مخططاتهم التهويدية في فلسطين؟!
ألسنا نحن من ذبحنا صدام حسين ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح وبشار الأسد وبن علي وحسني مبارك وفرطنا في "قاعة" كانت وحدها هي من يجمعـ(نــــا) حتى نبعد عنا "المشاغبين" الذين يثيرون الصداع والضوضاء في اجتماعات يفترض فيها التناغم والانسجام؟ ما الفرق بينــ(ـنــا) وبينهم؟ أليسوا جزء من قادة أمة عاصروا انحطاطها وساهموا في كل ما مر به الشعب العربي من تخلف وانحدار حتى وصل إلى الحضيض؟
لقد قالها (لكم) الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي رحمه الله في قمة دمشق 2008 "لا يجمعنا سوى هذه القاعة" و"ما يفرقنا أكثر مما يجمعنا" أليس هو من سألكم التحقيق في اغتيال وشنق القائدين العربيين ياسر عرفات وصدام حسين وقال لكم إن الدور آت عليه وعليكم وحين تقرر أمريكا شنق أي منكم فستفعل، وقد فعلت؟
نعم ضحكتم ساعتها، لكنكم لم تدركوا أنكم تضحكون على أنفسكم وعلى مصائركم ومصير أمتكم ومستقبل أجيال لاحقة.
لقد صدق المرحوم القذافي حين قال لكم وفي نفس القمة إن "ما يجمع سوريا مع روسيا أكثر مما يجمعها مع جيرانها العرب وما يجمع ليبيا مع إيطاليا أكثر مما يجمعها مع جيرانها العرب"، وبالفعل كان أول خطر تهدد سوريا وليبيا هو ذلك الذي جاءهما من جيرانهما وأشقائهما العرب.
لقد كان ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، لكننا حولنا الدين إلى أديان وملل ونحل ومعتقدات شتى يكفّر بعضنا بعضا ويذبح بعضنا بعضا. وكانت هويتنا واحدة فحولناها إلى هويات شتى، ومن لغة واحدة تخير كل قطر من اقطارنا تلك اللهجة التي يعتز بها بعيدا عن لغة الضاد التي جمعت أسلافنا، وحتى الجغرافيا حولتنا إلى أمم تتصارع على حدود وهمية رسمها أعداء الأمة فأصبح العربي يدخل الصين واليونان وإيطاليا وأمريكا واستراليا وجنوب افريقيا بسهولة لكنه لا يستطيع عبور تلك الحدود الوهمية بينه وبين اشقائه العرب في بلده الثاني !!
نعم، نحن الأمة الوحيدة التي يقتل بعضها بعضا ويستجلب بعضها الخراب والمخربين لبعضها الآخر. تماما كما كنا في مضاربنا، أيام بكر وتغلب، وعبس وذبيان، نحارب بعضنا على "دعابة" فنحن على استعداد لمحاربة بعضنا بعضا لمدة أربعين عاما ولا نكلّ. لأننا لا نخطط للمستقبل ولا نهتم بما ينتظر أحفادنا من تحديات قرن جديد نجلبهم إليه بمخلفات حروبنا وصراعاتنا وتخلفنا وأميتنا و"ثاراتنا".
ها هي ليبيا أصبحت صفرا على الشمال في معادلة الأمم، بعد أن كانت وازنة ومؤثرة سياسيا واقتصاديا، ميليشيات متصارعة على السلطة والثروة والسلاح وكل منا يدعم هذه الميليشيات او تلك حتى ندمر ما تبقى من ملامح الدولة ومن آمال الشعب الليبي الشقيق. لم تولد مبادرة عربية لتوقف نزيف الدم الليبي لنقول لليبيين كفى نحن قتلناكم ومزقنا بلدكم ونحن سنوقف النزيف وسنعيد الإعمار لأنكم جزء من هذه الأمة نعول عليكم في الحاضر وفي المستقبل. بل نواصل للأسف دعم من يوالينا وينفذ أجنداتنا من ميليشيات جلبناها لتصفية الحسابات مع الزعيم الجريء الصادق معمر القذافي الذي عود الأمة على صراحته وصدقه حتى آخر لحظاته ثم ليواصل هؤلاء قتل بعضهم البعض حتى تكون الغلبة لفصيلنا وعميلنا الذي مولناه ودربناه حتى أبعد ليبيا من المعادلة.
وفي مصر يدعم بعضنا مجموعات ارهابية مسلحة لأننا على "خلاف عميق وجوهري" مع القادة الجدد لهذا البلد العربي الكبير الذي تقاس قوة الأمة وضعفها بقوته أو بضعفه. وبطريقة أكثر بشاعة نحن من جلب الارهاب والإرهابيين من اكثر من 90 دولة عبر العالم إلى الشام لتدمير سوريا الشقيقة ولتصفية الحسابات الشخصية مع قائد عربي آخر وتحييد هذا البلد العربي الوازن عن المعادلة في المنطقة، فسوريا وحتى عام 2011 كانت البلد العربي الوحيد الذي لا مديونية خارجية له ويتمتع باكتفاء ذاتي في الغذاء والدواء والطاقة وفي كافة المجالات، واليوم يغيب (وحده) عن قمة القادة العرب لأن خصمهم اللدود يقاوم الإرهاب والإرهابيين الذين زودناهم بالمال والسلاح والعتاد لكي يجسدوا لنا في بلده نموذجا ليبيا جديدا في الشرق العربي (سوريا). ولم نقل لأنفسنا كفى، بل وظفنا وسائل إعلامنا وطاقاتنا الهائلة لمواصلة خداع الرأي العام العربي والإقليمي وتوصيف ما يجري هناك كما نريد له أن يوصف، بل ورصدنا ثروات الأمة لهذه الحروب البغيضة التي يقتل فيها العربي أخاه بدلا من أن نرصدها للتنمية وللبناء في عصر يتقدم بسرعة مذهلة من حولنا. لم نقل هذه سوريا أم الحضارة وأم التمدن وأم العطاء وإحدى دول المواجهة مع الكيان الصهيوني "عند الاقتضاء" وعلينا أن نصحح خطأنا ونتدارك ما تبقى من الشام قبل أن تصل الأمور فيها إلى ما وصلت إليه في ليبيا المكلومة.
وفي العراق مهد بابل وآشور وعاصمة الرشيد، تماما كما في سوريا، وبعد خروج الاستعمار الأمريكي المباشر الذي دمر قوة العراق ووزنه وحضوره، جلبنا "حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام " الذين "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" لتصفية حساباتنا هناك مع الوهم، فتطايرت أشلاء العراقيين والعراقيات وسالت دماؤهم حتى الركب ولم نرتوي بعد من تلك الدماء العربية لأن "ثاراتنا" لم تنتهي حتى الآن.
بل وأكثر من ذلك وتأجيجا لحروب مذهبية وطائفية بغيضة نحن من صنعها في العراق وفي سوريا وفي غيرهما، أضفنا اليمن الشقيق إلى قائمة الدول التي يجب أن تخرج من المعادلة نهائيا. وبدلا من مد يد العون للأشقاء في اليمن السعيد وتغليب العقل والحكمة وإصلاح ذات البين قررنا أن (نعصف) هناك بمهد الحضارات أرض سبأ و"بلقيس" فشرعنا في إبادة حمير عن بكرة أبيها وحتى لا تبقى للعرب العاربة قائمة.
ولولا حكمة الأشقاء في تونس لكان مصير هذا البلد الشقيق مثل مصير جاره ليبيا أو اليمن. ومع ذلك فقد كشّر الإرهاب عن أنيابه هناك مهددا مستقبل تونس وتنميتها واستقرارها وما حققته من ازدهار ورقي في عهد (الديكتاتور) بن علي طيب الله ذكره.
ترى ما الذي سنجنيه من حروبنا البينية هذه وما ذا لو قررنا إيقاف نزيف الدم العربي وفتح صفحات جديدة من الأخوّة والتكامل والعطاء ومواجهة تحديات الأمن والتنمية. ألن يكون حال الأمة أفضل ومستقبلها أكثر إشراقا أم أننا لا نملك من أمرنا شيئا؟ّ
أليس أفضل لنا ولأجيالنا اللاحقة أن ننعم بالأمن والأمان ونشرع في اللحاق بالأمم من حولنا. وتكون دول الجوار صديقة وشقيقة (تركيا، إيران، أثيوبيا، أريتيريا،وتشاد والنيجر والسنغال ومالي ... إلخ ) تحمي ظهورنا ؟. ما أسهل أن نقرر ذلك ونجسده. لكننا لسنا من يتحكم في مصيره على الأرجح. فكل الدول العربية التي جرى ويجري تدميرها تم تحديدها بالإسم من طرف المسؤولين الأمريكيين بعد (سانحة) تفجير برجي التجارة العالمية في العام 2001، حيث أكد هؤلاء أنهم وبعد القضاء على أفغانستان (القاعدة التي صنعوها) سيتم القضاء على العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر ومصر وإيران. كما أكدت العجوز "رايس" أن المنطقة ستشهد الشروع في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة. ترى هل ننفذ أوامر البيت الأبيض أم هي مجرد أخطاء قاتلة علينا ان نتلافى تداعياتها؟ أتمنى ذلك ولكن ؟
إن المعاناة مريرة والجروح غائرة والألم قاس، وما نتطلع إليه كشعب عربي جريح هو أمل بسيط ومشروع وفي متناول قادة الأمة وهو أن يتعانق هؤلاء عن حب وبحرارة أخوية ويقرروا وقف الحروب في منطقتنا العربية والشروع في الإعمار والبناء والتخطيط للمستقبل اقتصاديا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا من خلال تكامل اقتصادي عربي ننشده منذ ما قبل تأسيس الجامعة العربية عام 1945 وحتى اليوم، وإرساء أسس الديمقراطية التعددية بما لا يتنافى مع قيم ديننا وتراثنا وخصوصياتنا وثقافتنا ويضمن تكريس الحريات الفردية والجماعية ويتيح لنا اللحاق بالأمم المتقدمة من حولنا فــلأن تتحرك متأخرا خير من أن تبقى في دائرة التيه والضياع وربما إلى الأبد. "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي" كما يقال.
أتمنى أن "نلتقي" في عاصمة البداوة والنقاء والطيبة نواكشوط بقلوبنا وعقولنا وليس بأجسادنا فحسب، ونشرع في وضع لبنات أولى للمصالحة العربية- العربية ولم الشمل والإعمار والبناء وإرساء دعائم تنمية مستدامة لشعبنا العربي من المحيط إلى الخليج بما يعيد له هيبته وللأمة اعتبارها بين الأمم.
ومن دون شك فإننا مطالبون بتغيير نمط التعاطي مع قضيتنا المركزية في فلسطين بما يضمن استقلالها وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف. في انتظار أن نتمكن، مع الوقت، من استعادة كافة الأراضي العربية الفلسطينية من النهر إلى البحر ومن "الجنوب إلى الجنوب" لأن دولة الباطل إلى زوال مهما طال بها الأمد، ونحن أمة تمتلك من مقومات القوة والتأثير ما يجعلنا قادرين على تحقيق كافة تطلعاتنا المشروعة لو خلصت النيات وتكاتفت الجهود.
مرحبا بكم ايها القادة العرب ... أيها الاشقاء العرب... في بلدكم شنقيط وبين أهليكم وذويكم، أعزة مكرمين. مرحبا بكم مهما اختلفنا وغضبنا وعتبنا، فنحن في النهاية شعب عربي يعاني ومن حقه أن يطمح إلى الأفضل ... مرحبا بكم في الجمهورية الإسلامية الموريتانية ... أرض المنارة والرباط.
 
أحمد مولاي امحمد
كاتب صحفي / مدير مجموعة التواصل الإعلامية المستقلة