كشف محللون وسياسيون أسرارا عن طلب عودة المغرب لمنظمة الاتحاد الأفريقي، وأجمعوا في تحليلهم على أن العودة الرسمية بعد قطيعة دامت 32 سنة، خطوة ذكية ومهمة من الدولة المغربية في ظرفية حساسة جدا تعرفها المنطقة.
الغياب استغله الخصوم
الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أنغير أكد في تصريح خاص لـ "عربي21" أن خصوم المغرب وخاصة من النظام الجزائري وجبهة "البوليساريو" طالما استغلوا غياب المغرب للترويج لمغالطات في حق المغرب والتآمر على السيادة المغربية، لذلك فسياسة المقعد الفارغ لا تجدي في الدبلوماسية الملكية الجديدة والتي تتميز في السنوات الأخيرة باهتمامها الرئيسي بتطبيع العلاقات مع الدول الأفريقية اقتصاديا وسياسيا.
وأوضح أنغير أن المغرب عاد إلى الحضن الأفريقي، لأن دواعي مقاطعة هذا الإطار كان في ظروف سياسية واقتصادية وجيوسياسية مختلفة عن الظروف الحالية، نتيجة اقتناع العالم بالحقوق المغربية الثابتة في استكمال الوحدة الترابية المغربية.
واعتبر أن دول العالم أصبحت تعترف بالدور المغربي في الاعتدال الإسلامي وفي محاربة الإرهاب الدولي وخاصة في الساحل الأفريقي، قائلا: "الصوت الديبلوماسي المغربي أصبح مطلوبا في كل المحافل الدولية عكس الدور الجزائري الذي تراجع كثيرا مع الأزمات السياسية والاقتصادية التي يتخبط فيها الجار الجزائري".
وأشار الباحث في العلاقات الدولية أنغير إلى أن عودة المغرب للاتحاد الأفريقي قرار حكيم من الملك محمد السادس حيث أن غياب المغرب عن هذا التجمع الأفريقي فوت عليه فرصة توطيد أواصر التعاون مع مجموعة من الدول الأفريقية التي تعرف تحولات سياسية عميقة أثرت على سياساتها الخارجية.
العودة ستغير أجندة الاتحاد
كشف المحلل السياسي عبد الرحيم منار اسليمي أن عودة المغرب جاءت في ظرفية أنهكت فيها جنوب أفريقيا والجزائر الاتحاد الأفريقي وجمدت مؤسساته في صراعات تخدم سياسات مصلحية خاصة للدولتين.
وأوضح اسليمي أن الاتحاد الأفريقي تحول بسبب غياب المغرب إلى تنظيم إقليمي يخدم الدولتين (الجزائر، جنوب أفريقيا)، كما أن العديد من الدول الأفريقية لم تكن راضية عن تحول الاتحاد إلى منبر إيديولوجي وسياسي شبيه بمنابر سنوات الحرب الباردة لدرجه أنه لم يكمل بناء هيكله التنظيمي لحد الآن.
وأبرز أن المغرب يعود في ظرف دقيق لكون العديد من دول الاتحاد الأفريقي باتت تطلب النموذج المغربي الذي تطور داخل أفريقيا وطور مجالات عديدة داخلها رغم غيابه عن مؤسسته الإقليمية الرئيسية.
وأكد عبد الرحيم منار اسليمي أن المغرب سيكون قادرا على تغيير أجندة الاتحاد الأفريقي بحكم عدم امتلاكه (الاتحاد) خبرة غير أسلوب المواجهة الأيديولوجية والسياسية القديمة، والعودة من شأنها المساهمة في إكمال هياكل الاتحاد وربطها بالقضايا والتحديات التي تعرفها القارة مثل مخاطر ضعف النمو وانتشار الارهاب وتجارة الأسلحة والهجرة...
وشدد المحلل السياسي اسليمي على أن المغرب سينقل خبرته الأمنية ونموذجه التنموي الاقتصادي وسياسته الدينية والاجتماعية إلى الدول الأفريقية، مشيرا إلى أن الجزائر تحتاج بدورها للنموذج المغربي في هذه المرحلة الدقيقة خاصة في المجال الديني والاقتصادي والسياسات الاجتماعية.
الفراغ أضر بالمصالح
وأفصح مدير المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمدينة الداخلة (جنوب المغرب) رحيم طور، على أن سياسة المقعد الشاغر الذي نهجها المغرب منذ الثمانينيات أضرت بمصالحه وجعلت ثلاث دول قوية هي نيجيريا وجنوب أفريقيا والجزائر تسيطر على هياكل الاتحاد الأفريقي وتدفعه تارة ليصدر مواقف معادية لمصالح المغرب وتارة ليوظف ملف الصحراء من أجل الابتزاز.
وأوضح في تصريح خاص لـ"عربي21" أن عودة المغرب كفاعل مؤثر من داخل الاتحاد لن تكون بالسهولة التي يعتقد البعض رغم انفتاحه خلال السنوات الأخيرة على أفريقيا سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا، إذ أضحى المستثمر الثاني بها في وقت وجيز والمتزعم للتعاون البيني أو التعاون جنوب - جنوب بها.
وأشار رحيم طور إلى أن المغرب لعب دور الوساطة لفض النزاعات ببعض دول أفريقيا، وبالتالي لا بد من تكثيف الجهود على المستوى الدبلوماسي والتعاون البيني في إطار مقاربة رابح - رابح من أجل التصدي لكل الدول المناوئة للمغرب من داخل هياكل الاتحاد في أفق الحصول في المدى القريب والمتوسط على مقعد مؤثر داخل هذه الأجهزة.
وتفاعلا مع تقديم 28 دولة أفريقية ملتمسا تطالب فيه الاتحاد بتعليق مشاركة "الجمهورية الصحراوية" الوهمية، شدد البرلماني السابق رحيم طور على أنه عدديا وحسب مواثيق الاتحاد الأفريقي فـ 28 توقيعا لا يكفي للاستجابة لهذا الطلب، إذ إن المغرب مطالب باستمالة ثماني دول أخرى على الأقل لضمان تصويت ثلثي أعضاء المنظمة أفريقية (36 توقيعا) وهو الحد الأدنى لتبني هذا المقترح بشكل نهائي.
وأوضح أن اللائحة ما تزال مفتوحة، حيث يُرجح أن توقع دول أخرى على هذا الطلب الذي سيعرض على أنظار المفوضية الأفريقية، على أن يتم عرضه على المؤتمر المقبل للاتحاد من أجل الحسم فيه.
وختم رحيم طور حديثه في التصريح ذاته قائلا: "إن الثقة في عدالة قضيتنا التي هي قضية شعب يرفض تجزيء وطنه ويدافع عنه بالغالي والنفيس وهو متيقن من عودة إخوان له بالجزائر مغرر بهم إلى حظيرته طال الزمن أم قصر، كما أن حكام وجنرالات الجزائر يستغلون قضية شعب لتحقيق مآربهم الصغيرة على حساب رفاهية شعبهم".
خطوة جيو استراتيجية مهمة
رئيس المركز المغاربي للإعلام والديمقراطية المصطفى أسعد شدد على أن عودة المغرب للاتحاد الأفريقي خطوة جيو استراتيجية مهمة لمكانة المغرب الطبيعية بالاتحاد الأفريقي نظرا للحمولة التاريخية والاقتصادية والسياسية والدينية للمغرب.
وقال أسعد في تصريح خاص لـ"عربي21" إن المغرب متواجد منذ القدم بالساحة الأفريقية من خلال عدة تكتلات منها على وجه الخصوص عمليات حفظ السلام بالقارة واحتضان المؤتمر الأول الأورو- أفريقي حول الهجرة والتنمية، واجتماع وزراء خارجية الدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي بمشاركة 23 دولة، وبكل الشراكات بين أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وتجمع دول الساحل والصحراء.
وأضاف أن المغرب الحالي هو تلك البوصلة التي تربط الشمال الغربي بالجنوب الأفريقي من خلال لعب أدوار رئيسية في البحث عن حلول للظواهر الخطرة بالعالم الحالي من إرهاب وهجرة وبيئة وتنمية، مشيرا إلى أن كل ما سبق "إن دل على شيء فإنما يدل على مجهودات المغرب لخدمة انتمائه القاري رغم سياسة الكرسي الفارغ لأكثر من 32 سنة".
وختم رئيس المركز المغاربي للإعلام والديمقراطية تصريحه بالتأكيد على أن المغرب اليوم له من العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية ما يخول له العودة بقوة للقارة وطرد البوليساريو من هذا الإطار، وهو ما أكده الملك محمد السادس من خلال رسالته للقمة 27: "لا يمكن للمغرب أن يظل خارج أسرته المؤسسية ولا بد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الأفريقي".