رمضان، الحوار والقمة العربية

خميس, 09/06/2016 - 14:14

تعيش موريتانيا مرحلة ثلاثية الأبعاد، هامة واستثنائية من تاريخها اليوم حيث تتمتع بالأجواء الرمضانية المباركة، وتمهد لإجراء جولة جديدة من الحوار السياسي، وتتواصل فيها الاستعدادات على قدم وساق لاستضافة القمة العربية المقبلة.
فأما الأداء الرمضاني فقد استوجب على الحكومة جملة من الإجراءات الإيجابية باتجاه الفقراء والمحتاجين للتخفيف من تكاليفه الكبيرة فجددت عمل حوانيت أمل ليتمكن ذوو الدخل المتدني والمعوزين من التمكن في حدود إمكاناتهم الضعيفة من اقتناء مستلزمات رمضان بأسعار مخفضة في متناولهم، وهي الحوانيت التي وإن لم تكن كافية في العدد وفي كم المواد الاستهلاكية الأولى الضرورية، ولم يكن كل المشرفين عليها بالقدر المطلوب من الاستقامة والحرص على الأمانة الملقاة على عواتقهم، فإنها تساعد إلى حد كبير في رفع تحدي تكاليف هذا الشهر العظيم التي تزداد عاما بعد عام. وهو الأمر الذي يدعو الحكومة لإمعان النظر فيه بحزم أشد.
ومن جهة أخرى فإن الحكومة مدعوة أيضا إلى التنسيق مع "المحسنين" من رجال الأعمال و"الميسورين" الذين يتصدقون ويزكون ويساعدون الفقراء والمساكين والمعوزين بأموالهم، لتصرف صدقاتهم وزكواتهم في أجواء يطبعها الهدوء والنظام ويمنع فيها التدافع الذي قد لا تحمد عواقبه. كما يترتب على الحكومة أن تقوم على جرد كل جيوب الفقر والفاقة وأن تحصي المحتاجين إلى الصدقات لعرض لائحتهم على المحسنين والمتصدقين والمزكين أموالهم كما امرهم الله عز وجل حتى ليتسنى لهم معرفتهم وتقدير ما لهم عليهم من واجب وإحسان.
وأما الحدث الثاني فيتعلق بما يزمع اطلاقه في أجل قريب من جولة جديدة حول الحوار السياسي الذي يراد له أن يرفع من حدة الأزمة السياسية القائمة بين أغلب أحزاب المنتدى من أجل الديمقراطية والأغلبية الرئاسية وأن يصحح مسارا ديمقراطيا عرف في مجمله نجاحات كبيرة كما لاقته إخفاقات معتبرة. فأما النجاحات فمتعددة الأوجه وتعلقت:
· الإصلاحات الدستورية الهامة،
· تجريم العبودية،
· سن مسطرة قوانين هامة لمعاقبة مرتكبي الفساد في الشأن العام،
· مسطرة القوانين الانتخابات،
· نسبة تمثيل المرأة في الغرف البرلمانية وولوجها لمناصب القرار والإدارة،
· خلو السجون من محبوسي الرأي،
· زيادة الحضور الشبابي المعتبرة في المشهد السياسي وفي الدوائر الحكومية،
· وحرية التعبير والإعلام بكل أوجهه وأبعاده ومنها تحرير الفضاء السمعي البصري.
وأما الإخفاقات فمنها أساسا ما يتعلق باستمرار تعثر الحوار السياسي الشامل الذي إن حصل وتم رفع نجاح المسار الديمقراطي إلى أعلى مراتبه وفتح الباب واسعا على التناول الصريح والبناء لجميع القضايا الكبرى الشائكة ذات الطابع الاجتماعي المزمن والتي ما زالت تعيق مسار الحركة التنموية وتضعف أركان دولة القانون.
وأما الاعدادات الجارية على قدم وساق لتنظيم القمة العربية فمطلوب بإلحاح أن تتسارع وتيرتها وتوفر لها إمكانات أكبر حتى تؤمن نجاحا على قدر التحدي الذي رفعته الدولة وحتى تنجح في ظل تناقص حدة الاحتقان العربي ورغبة متزايدة بوضوح في البحث عن السبل الديبلوماسية إجراء الحوار المسؤول والصريح الذي يستمع فيه البعض إلى الآخر ويتنازل بما يؤمن التوافق ويخفف حدة التوتر، بدلا من الحروب الطاحنة التي أرهقت كاهل الجميع ولم تحقق حلولا. وهو الوضع الجديد الذي يرسم ملامح منعرج جديد يمكن أن تلعب خلاله موريتانيا دورا حاسما في البحث الجاد عن نقاط التلاقي حول كل المعضلات وتقريب وجهات النظر حولها ورسم آفاق جديدة للتوافق وحسم الخلافات الحادة ووضع أوزار الحروب المدمرة التي مزقت جسم الأمة ومرغت كبرياءها في وحل خلافاتها، وأرضت أعداءها وشفت غليلهم، ورفعت أسهم باعة الأسلحة في الغرب كله والشرق وأمريكا اللاتينية.
وإنها القمة العربية التي إن انعقدت وتمت إدارتها بإحكام واقتدار ستكون حقا بمثابة ضربة حظ نادرة ذات وجهين لو استغل كل منهما على الوجه المطلوب بحكمة وتوازن وحسن نية في أمة تتمزق آتى كل منهما أكلا من الخير العميم عليها ووثق في التاريخ العربي الحديث منطلق "نواكشوط" إلى رحاب الوحدة الحقة التي لا تعترف بالفوارق وتؤمن بالتكامل وإثراء مسار العولمة الجديدة الذي انتظره العرب منذ تأسست جامعتهم في 22 مارس 1945 و قد نص ميثاقها بالحرف في ذلك الوقت على أنها تهدف إلى ما فيه خير البلاد العربية قاطبة، وصلاح أحوالها، وتأمين مستقبلها ـ وتحقيق أمانيها وآمالها