مذعناً للضغوط الداخلية و الخارجية، سيجبر عزيز على ترك الحكم، لكنه لن يدخر جهدا فى الإمساك بالسلطة من وراء حجاب.
الرجل الذي يوغل فى استخفاف معارضته واحتقار موالاته ترتعد فرائصه أمام أي موقف خارجي جاد.
لقد كانت الأشهر الأخيرة أشهر الخداع العزيزي بامتياز، فيها ناورٓ وتخبّط، وكشف حقيقة نواياه، وتراجع عنها مكرها، بعد أن مرّغ فى وحْلها أقرب مقربيه.
ما معنى أن يرفض عزيز – ولمدة سنة كاملة- الرد على أسئلة الصحافة الموريتانية حول المأمورية الثالثة، ثم يعلن للصحافة الغربية – عند أول وهلة- أن تعديل الدستور للبقاء فى الحكم مجرد أوهام عند بعض المعارضين الموريتانيين؟ أي جمهور يخاطب عزيز من خلال الصحافة الغربية؟
ولماذا يلوّح عزيز باقتراح حل مجلس الشيوخ بحجة عرقلته للعمل البرلماني والحكومي، ثم يأتينا الرئيس مسعود ولد بلخير ليعلن انه أقنع عزيز بوجود مؤسسات أخرى أقل أهمية يمكن حلها واقتصاد مواردها، وأن الرئيس “تفهّم” الموضوع؟
ثم لماذا احتاجت المحكمة العليا عاما ونصف عام لتحكم ببراءة بيرام ونائبه وتطلق سراحهما؟
الواقع أن كل هذه الأمور خداع فى خداع : فخطاب النعمة كان خطابا شرائحيا تم نقاشه فى دائرة ضيقة اتفقت مع عزيز على أن ((الحراطين طوفان بشري هادر،وأنهم يشكلون – عدديا – “خطرا” على حكم البيظان، خاصة إذا تحالفوا مع الزنوج، وأن من الحكمة العمل بسرعة لقلب الموازين عبر سياسة متعددة المحاور، منها التجنيس فى الشرق والشمال، ومنها التقرب من حركات الزنوج المتشددة، ومنها توريط زعماء الحراطين النافذين فى صفقات مريبة تُفقدهم المصداقية والوجاهة، ومنها تسليط الضوء على كل كلمة متطرفة تصدر عن نشطاء الحراطين وتوظيفها فى خدمة المخطط الشرائحي المقيت الذي يجعل الحراطين عدوا لا يقوى على هزيمته إلا البطل المغوار عزيز)).
يؤسفني قول مثل هذا الكلام التافه المثبت فى أدبيات الحلقة العزيزية الضيقة، ويؤسفني أكثر أن عزيز ماض فى خداعنا بحجة تصحيح أخطائه فى خطاب النعمة، بعد أن تبيّن له الرفض الشعبي الواسع لهذا الإستخفاف، وبعد تسلّمه رسائل صريحة من قوى أجنبية ظل يخدعنا بأنه لا يقيم لها وزنا ( تماما كما خدعنا بقطعه للعلاقات مع إسرائيل قبل أن نكتشف أنه يتعامل معها للتجسس على مواطنيه).
اعتراف عزيز للصحافة الغربية ،لا يخرج عن سياق إطلاق سراح بيرام ونائبه وترحيب السفارة الامريكية بذلك عبر بيان رسمي لم يخلُ – رغم لغته الدبلوماسية- من دعم صريح للمناهضين للعبودية.
واعتراف عزيز للصحافة الغربية لا يمكن إخراجه عن سياق تقرير مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى المعهد الجمهوري الامريكي بعد زيارته لموريتانيا، والذي أوردُ منه فقرات قليلة :(( …تعديل الدستور سيكون قرارا خاطئا لأنه سيحيد البلاد عن مسارها الديمقراطي…عدم احترام النظام الدستوري من شأنه أن يؤدي إلى تصاعد التوتر السياسي…عزيز لديه فرصة تاريخية ليصبح أول رئيس يشرف على انتقال السلطة بين رئيسين منتخبين ديمقراطيا… على الرئيس أن يقدم اقتراحا بتنظيم انتخابات مبكرة على المستويات المحلية والبرلمانية على أساس اتفاق تشارك فيه جميع الأطراف السياسية الرئيسية…)).
الحقيقة أن عزيز أرغم على التراجع عن مخططاته علنا، وهو حاليا يبحث عن شحصية من الحراطين مقبولة داخليا وخارجيا لضرب سرب عصافير بخدعة واحدة : تسليم الحكم والاحتفاظ بالسلطة، والظهور بمظهر الداعم لانعتاق الحراطين بدعم اختيار رئيس منهم، والحصول على حماية خارجية له – أي عزيز- كان الرئيس أحمد ولد داداه قد عرضها عليه قبل فترة مقابل ترك السلطة، لكن أحدا لم ينتبه إلى أبعادها المحتملة.
أعتقد أن كل هذه الخدع لن تنطلي على أحد، حتى ولو كان الرئيس مسعود يبدو كمن أخذها على محمل الجد.
خداع نظام عزيز لا حدود له، وغايته -على المدى القريب – احتواء الاحتقان السياسي لتهيئة ظروف مقبولة لانعقاد القمة العربية التي هو فيها مُقاول بدفتر التزامات وصفقات سيتم الكشف عنها لاحقا.
وبعد القمة العربية سيبدأ تصوير حلقة جديدة من مسلسل الخداع بفاعل أو نائب فاعل.