تَهيأ لي خلال الأيام الأخيرة الاطلاع على تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، مقدم أمام الدورة السبعين للجمعية العامة المنعقدة في شهر سبتمبر 2015، تحت عنوان: "خطة عمل لمنع التطرف العنيف"..
عند دراستي للتقرير بتمعن تلمست بوضوح عناصر رؤية جديدة أكثر موضوعية لدى الهيئة الدولية، أرجو أن تُوَّجِه سياستها في مجال مكافحة العنف الناشئ عن التطرف مستقبلا..
من ملامح الرؤية الجديدة الاعتراف صراحة بوجود مظالم تؤدي إلى خلق مبررات للتطرف، وذلك عكس ما كان يروج له دوليا في السابق من حصر أسباب التطرف في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والنفسية، فقد ورد في الفقرة الثالثة من التقرير ما يلي: <<وما من شيء يمكن أن يبرر التطرف العنيف، لكن علينا أن نعترف أيضا بأنه لا ينشأ من فراغ، فخطابات الظلم والتظلم سواء كان فعليا أو متصورا والوعد بالتمكين والتغيير الكاسح تجد آذانا صاغية في الأماكن التي تنتهك فيها حقوق الإنسان ولا يكترث فيها بالحكم الرشيد وتسحق فيها التطلعات..>>، وفي الفقرة الثامنة: <<وبينما نملك جماعيا الأدوات اللازمة لمعالجة العديد من المظالم التي تندرج ضمن دوافع التطرف العنيف، فإنه يتعين علينا أن نعلم كيفية استخدامها وإدارتها بفعالية..>>، وقد تضمنت هذه الفقرة أيضا الإشارة إلى ما وصَفَتْهُ بـ تحسن فهم الأمم المتحدة لدوافع التطرف العنيف، وهو اقرار ضمني بوجود قصور في الفهم السابق لدوافعه: "وبينما تحسن فهمنا لدواعي التطرف العنيف.."..
في التقرير، معطيات أخرى جديدة، يمثلها الاعتراف بأن تدابير مكافحة الإرهاب السابقة لم تكن كافية ولا ناجعة، ولم تحل دون تفاقم الظاهرة، وكذا الاعتراف بفشل الحروب بالوكالة..
ففي الفقرة 4 من التقرير: <<غير أنه مع ظهور جيل جديد من الجماعات، هناك توافق دولي متزايد على أن تدابير مكافحة الإرهاب تلك لم تكن كافية للحيلولة دون انتشار التطرف العنيف..>>..
وفي الفقرة 13: <<وقد أثبت التاريخ أن الحروب بالوكالة تزيد من تفاقم الأوضاع الأمنية الهشة والنزاعات..>>..
توقفتُ كذلك عند إشارة بالغة الأهمية تتعلق بما يقع من خلط بين الأعمال الإرهابية، وأعمال أخرى لا ينبغي أن يشملها هذا الوصف، مما أدى إلى تطبيق تدابير مكافحة الإرهاب خارج نطاقها، ووردت هذه الإشارة في الفقرة الرابعة: <<.. وقد يؤدي الخلط بين هذين المصطلحين إلى تبرير الإفراط في تطبيق تدابير مكافحة الإرهاب على نطاق واسع، لتشمل أشكال سلوك لا ينبغي أن ينطبق عليها وصف الأعمال الإرهابية..>>..
أتصورُ أن هذه الرؤية الجديدة المتسمة بموضوعية أكثر نتجت عن جهود قامت بها دول أعضاء عديدة، وخاصة في العالم العربي والإسلامي، ومن بينها بالطبع بلادنا من أجل خلق نظرة أشمل لموضوع التطرف، وإيجاد توازن غائب عن الاستراتيجيات التي ترعاها وتنفذها قوى عالمية، تستخدم فيها الأمم المتحدة التي تمارس عليها نفوذا كبيرا..
آملُ أن تتجسد هذه الرؤية في تدابير عملية موضوعية ومتوازنة، وأن نجد لها آثارا إيجابية ملموسة في تطبيقات الأمم المتحدة والقوى الكبرى..ِ
القاضي / أحمد ولد عبد الله ولد المصطفى