أية مكاسب سيحققها النظام الموريتاني من وراء ما يشاع من تحضيره لخرجة إعلامية لوزيره الأول، عشرين يوما بعد خرجة رئيسه فى "الترحيل" ؟
هل أحس الرئيس بأن كلامه فى "الترحيل" لم يكن مقنعا للرأي العام، وأن وزيره الأول سيكون أفصح منه وأبلغ حجة فى شهر إبريل ذي السمكة سيئة الصيت؟ أم أن هذه الخرجة قد تكون فخًّا نُصب بإحكام لمن يُرادُ له أن يكون بطلَها فى سياق صراع الأجنحة فى بطانة الرئيس؟
ثلاثة أحداث واكبت الإعلان المسرَّب عن هذه الخرجة المحتمَلة: وجود وزير المالية والإقتصاد الموريتاني فى دولة الإمارات العربية المتحدة – سِرًّا- قادما إليها من المملكة العربية السعودية التي جاءها أصلا ضمن وفد الرئيس إلى مناورات "رعد الشمال"، و سحب الحكومة الموريتانية ترخيصا كانت منحته لنشاط حزبي متضامن مع "حزب الله"، وإعلان ما اعتبرته شركة كوسموس أنرجي "اكتشافات هائلة من الغاز قبالة الشواطئ الموريتانية-السنغالية.
الأحداث الثلاثة – التي ينْظمها خيط البحث عن مخرج من أزمة مالية لم يعد إنكارها ممكنا- يُفهَم منها أن "غَيبة حفر الباطن" لم تكن "غَيبة حليمة"، وأن منح الترخيص لنشاط متضامن مع "حزب الله" لم يكن فقط مجرد خرق لقرار للجامعة العربية التي نتطلع إلى استضافة قمتها القادمة، والتي صنفت الحزب تنظيما إرهابيا.
قد يكون منح الترخيص مناورة سُمع هزيم رعدها فى حفر الباطن وسحبه لاحقا قد يُمطر فى أبوظبي، ويحمل أخبارا سارة يمكن تقديمها فى الخرجة المفترضة!!
لا أعتقد أن بطل النسخة المفترضة من "مهرجان الكلام الرسمي" سيمارس علينا التنويم المغناطيسي بالحديث عن "اكتشافات هائلة من الغاز قبالة الشواطئ الموريتانية-السنغالية"، فهذا حديث معاد لا يسمن ولا يغني من جوع، والمستفيد الأول منه هو الشركة التي أعلنته لترتفع أسهمها فى البورصة عند جرس الإغلاق فى اليوم الموالي.
ثم إن تاريخنا المعاصر جدا أثبت فشل سياسة التهدئة والأماني المرحلية : ألم يغتنم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع فرصة خطاب عيد الإستقلال، فى 28 نوفمبر 2002 ليعلن وجود "احتياطات مهمة من الغاز والنفط فى باطن الأرض الموريتانية".
يومها دب الأمل فى نفوس البسطاء، لكن بشرى النفط وخطاب "كيفة ضد الفساد والمفسدين" فى العام الموالي كانا لعِبًا فى الوقت بدل الضائع، ومن مأمنه أتي الحذِر: رتل الدبابات الذي هاجم القصر الرئاسي يوم 8 يونيو 2003 انطلق من وحدة عسكرية يقودها ابن عم الرئيس،ومن قرروا - فى 3 أغسطس 2005 - التخلي عن رأس النظام والتخلص منه لم يكونوا إلا رجال ثقته فى الجيش والأمن، والحزب الجمهوري لم يتردد فى دعم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية.
غداتها، و هو يعلق لأول مرة، على الإطاحة بنظامه، استحضر ولد الطايع مقولة (فولتير) : " رب احمني من أصدقائي...أما أعدائي، فأنا أتكفل بهم....".
اللهم احم الرئيس عزيز واحم موريتانيا من "أصدقائه" الذين يوهمونه بأننا جميعا أعداء له وأن عليه "التكفل بنا" بطريقته الخاصة.
أمِّنُوا جميعا وجهرا.