نشرت بعض المواقع المحلية خبرا بالأمس عن كون بلادنا هي الأعلى نسبة في بطالة الرجال عالميا، وبالرغم من الملاحظات الممكنة حول وقت النشر وصياغة الخبر، فسأحاول توضيح إشكالية معدل البطالة، التي أسالت الكثير من الحبر، وذلك من خلال معطيات علمية بعيدا عن الجدال السياسي الموجه.
كانت البداية في السنة الماضية حين نشرت منظمة العمل الدولية (OIT) تقريرها عن البطالة في العالم معطية 31,2% كنسبة للبطالة في موريتانيا وأنها الأعلى دوليا، فثار الكثير من الجدل بين معارضين متبنين للرقم مدافعين عن صحته وموالين معتبرين أن النسبة تعود لسنة 2008 بينما الرقم الحالي هو 10,1% مما يعبر عن انخفاض بنسبة 20%، أما الحقيقة فهي:
1- أنه لا توجد منظمة خارجية يمكنها تقديم أرقام عن البطالة في موريتانيا إلا إذا كانت مستمدة من مسح محلي كما هو الحال في جميع الدول،
2- أن الرقمين 31% و 10% صادرين عن نفس الجهة الرسمية الموريتانية وهي المكتب الوطني للإحصاء (ONS) لكن في تاريخين مختلفين، فالرقم 31% ناتج عن المسح الدائم حول الظروف المعيشية للسكان (EPCV) سنة 2008، والرقم 10% ناتج عن الاستطلاع المرجعي الوطني حول التشغيل سنة 2012 (ENRE)،
3- أن سبب الفارق الكبير بين الرقمين يعود إلى أن 10% ناتجة عن إحصاء خاص بالتشغيل بمعايير وتعريفات (méthodologie et définitions) مختلفة عن إحصاء 2008 الخاص بالظروف المعيشة والذي كان التشغيل أحد مكوناته فقط، وهذا المسح ينفذ لأول مرة في موريتانيا وبدعم فني من المكتب الدولي للشغل (BIT)،
4- أن من أسباب عدم تحيين نسبة البطالة في موريتانيا في الجدول المنشور على موقع المنظمة الدولية للشغل يعود لكون الاستطلاع المرجعي الوطني حول التشغيل سنة 2012 لم ينشر إلا نهاية 2013، وموقع المنظمة بيّن في أسفل الجدول أن إحصائيات 2013 و 2014 تم تقديرها في بعض الدول لأن الأرقام لم تصل قبل النشر ، كما أوضح أن تعريف البطالة يختلف من بلد لآخر،
5- كذلك بالعودة إلى جدول المنظمة الدولية للشغل الذي صنف موريتانيا الأعلى نسبة في العالم، سنجد أن نفس الجدول يعطي أرقاما قريبة من 10% للدول المجاورة لبلدنا والتي لا تشهد بالتأكيد طفرة في مجال التشغيل مختلفة عنا (مالي 8.1%، السنغال 10.3%، المغرب 9.2%، الجزائر 9.5%) كما سنجد في نفس الجدول أن النيجر 5.1% وبوركينا فاسو 3.1% وأفغانستان 9.1%،
6- إذا ما حدث لا يتعدى أن نتائج مسح 2012 التي اعتمدت نفس تعريفات الدول الأخرى لم تصل إلى المنظمات الدولية في الوقت المناسب، كما أنه لا يوجد تعارض بين الرقمين بالنسبة للمتخصصين فالرقم الأول ناتج عن استطلاع كان من ضمنه سؤال واحد عن التشغيل وهو إذا يعبر عن تصور المستطلعين أنفسهم للشغل، بينما يعبر الرقم الأخير عن البطالة بتعريفها الدولي وهو الذي تنبغي مقارنته مع الدول الأخرى،
هذا توضيح للإشكال الذي تمت إثارته العام الماضي، أما حيثيات النشر هذه الأيام فهي مريبة حيث أني لم أعثر على خبر جديد في موقع البنك الدولي - الذي تم عزو المعطيات له - بينما توجد فعلا بيانات قديمة في الموقع آخرها يعود لسنة 2014، وهي مستمدة من بيانات منظمة العمل الدولية كما هو مبين في الموقع.
من صفحة المدون عبد الفتاح ولد حبيب