(هذه "قصاصة" سقطت من جيب "عبد الله السنوسي" مدير المخابرات الليبي السابق والساعد الأيمن للزعيم الراحل "معمر القذافي"..."قصاصة" سقطت منه وهو"يجرجر" – كرها- إلى الطائرة التي اختطفته غبش الفجر إلى مخدع "أبى لهب"...نقرأها مع أنها لا تكتسي أية صبغة قانونية أو رسمية، حتى وإن سقطت سهوا من محاضر التحقيق مع الرجل...نقرأها فقط لأنها آخر ما سيبقى من رجل ذهب إلى "المقصلة"). س : نعرف أنك عبد الله السنوسي، وأنك الرجل الثاني في النظام الليبي المنهار، وذراعه الباطشة أمنيا، ولكن هل كنت في كامل وعيك وأنت تدخل موريتانيا بوثائق مزورة؟! ج : تعرفون وضعيتي تماما... رافقتموني من المغرب، وربما راقبتموني مع فرنسا...وبالتالي أتحفظ على الإجابة على هذا السؤال الاستنكاري. س : هل كنت راغبا في دخول بلادنا، مع أنك تعرف وضعيتك الصعبة قانونيا وصحيا؟ ج : أو كانت السلطات المغربية ذكية دبلوماسيا، ومحنكة أمنيا، فأبعدتني إليكم، وأنتم ابتلعتم الطعم واعتقلتموني، ولا يهم بعد ذلك طبيعة التهمة التي وجهتموها لي، فأنتم رافقتموني، واستقبلتموني بأجواء أمنية مهيبة، وكأنكم كنتم تستقبلون غنيمة أو هدية ثمينة...ساعتها كنت أشبه نفسي بطرد من "الحشيش الهندي" يصل أحد مطارات "كولومبيا"، بمعرفة أكثر عصابات التهريب احترافا ودموية ونفوذا..!! س : هل تعتقد أننا دخلنا صفقة مع المغرب، لإنقاذها من حرج وجودك على أراضيها ، والاستفادة مستقبلا من المزايدة عليك، وأنت المطلوب عالميا ؟ ج : أنا رجل أمن، ولست بائع "قطع غيار سيارات" وأعرف أنكم تحركتم بوعي، لاقتناء "الكبش" في الوقت المناسب..!! س : لماذا فكرت في الهرب إلى المغرب ثم موريتانيا؟ ج : أنا رجل مطارد، قتل رئيسه بعد اغتصابه والإجهاز عليه، وذبح رجال النظام الذي كنت جزء منه، ودمر بلدي، واستبيحت ثرواته وكرامته... ولا غرابة أن يضرب رجل عربي مسلم مطارد في مضارب عربية وإسلامية، تربى على أنها تجير من استجار بها، وتأبى الضيم والمذلة، وقهر الرجال...هذه شعوب عربية الوجه واليد واللسان، فما المفارقة في أن يستجير مطرود مشرد، كسير البال، ضيق الحيلة ،بخيمة عربية بدوية، تعودت - منذ الأزل- أن ترحم عزيز قوم ذل، وأن تذبح أبناءها لإطعام عابر سبيل، أو تدفع ابنها ليموت فداء لأمانة لا يمكن المساس بها قبل تأديتها لأهلها..؟!! أنا عربي بدوي من ليبيا، ولست من الاسكيمو، ولا من الشعوب المنقرضة...هذه قيمنا الجمعية ولا أتصور أنها ستندثر مادمنا على وجه الأرض. س : هل تتوقع أن نسلمك لسلطات بلادك؟ ج : لدي حدس أمني يجعلني أتوقع كل شيء وأي شيء.. أنا رجل مطارد، ولدى دول عديدة مطالب تتعلق بملفات ذات صلة بتاريخ عملي مع المرحوم القائد معمر القذافى ، ولدى تلك الدول النفط والمال، والقمح والقروض، وشطب الديون والاتفاقيات،وأنا رجل بائس ضعيف قليل الحيلة هين على الناس، وأنتم بلد فقير، يحز في نفسي أنه ليس بمقدوري مساعدتكم، وإذا كان بيعي لهذه الدولة أو تلك سيحل بعض مشاكلكم المالية، أو الاقتصادية فسأكون سعيدا بذلك، فأنا مواطن عربي إفريقي مسلم، وانتم إخوتي، ومهما نزغ الشيطان بيننا، فروابط الرحم والدم والقربى تجمعني بكم،وكما قال عبد الناصر العظيم، معلقا على الحدود الوهمية، التي زرعها الاستعمار في الجسد العربي الواحد: "لا يمكن للاستعمار ولا للجغرافيا التي اخترعها أن تقطع ما وصله الله من تاريخ ولغة وحضارة مشتركة للأمة العربية"، لكن دعني أتحفظ على عبارة "سلطات بلدك"...فبلدي مدمر، ومحتل من طرف الأجانب، و شعبي مهان ومقسم، وبالتالي ليست هناك سلطة في بلدي، هناك استعمار أجنبي، و"جرذان" يعيثون فسادا في البر والبحر، بأمر من أسيادهم في أمريكا وإسرائيل وقطر والسعودية. س : فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز قال في "لقاء الشعب" إن الحديث عن تسليمك أمر غير وارد، فلديك أولا مشكلة مع القضاء الموريتاني، ثم إن لملفك جانبا أخلاقيا تأخذه السلطات الموريتانية بعين الاعتبار، فهل تتوقع أن تسلم لبلادك بعد هذا التصريح الرئاسي العلني الرسمي؟! ج : تعلمت من أحد حراسي هنا مثلا موريتانيا جميلا يقول: (كلام الليل يمحوه النهار) خاصة إذا كان كلام رجل عسكري، يتقمص السياسة المدنية، ولديه مصالح متنافرة، ولديه رجل قد يبيعه بمبلغ - مهما كانت تفاهته- فهو أفضل من الاحتفاظ به في السجن، تعلمت أيضا مثلا موريتانيا جميلا آخر وهو أن وضعيتي بالنسبة لعزيز وحكومته تشبه("بوط" الرجل الذي إذا قطعه يتألم وإذا تركه يكون سيئ المنظر)...أنا لم أعد أثق في كلام الرؤساء كثيرا بعد ذهاب "جمال عبد الناصر" و"صدام حسين" و"أمعمر" و يخيل لي أن لدي (رؤساء آخر الزمن هؤلاء من زملاء رئيسكم) قلم "رصاص"، يكتبون برأسه قرارا اليوم، ليمرروا عليه "الممحاة" التي في أسفله غدا..!! س : هناك من يرى بأن تسليمك مخالف للقانون الدولي، قبل أن يكون ضربة في الصميم لأخلاق العرب، وكبريائهم وشهامتهم ووفائهم وإغاثتهم للملهوف، وهم الذين كانوا يجيرون حتى "الأفاعي الرقطاء" من سموم رمالهم الحارقة، هل تستأنس بهذا الرأي؟ ج : هذا كلام في بطون الكتب، أما على الأرض فلا عرب، ولا رجال، ولا كبرياء، ولا استجارة، ولا من يجيرون، ولا هم يحزنون،...أعدم الشهيد "صدام حسين" ورجاله الأوفياء أمامنا جميعا، فذابت كل القيم والديانات والقوانين، أجهز على الشهيد "معمر القذافى" بعد اغتصابه وإهانته وعرضه عاريا أمام الناس مع أبنائه وأركان حكمه، وقطعت أصابع "سيف الإسلام" حتى لا يرفعها مرة أخرى في وجوه "الخوارج" فذابت أيضا القيم والديانات والقوانين..!! نحن في عالم جديد، يتحكم فيه الغوغاء و"المثليون" دينيا وفكريا وحضاريا، وعملاء الغرب واليهود، يثورون ويقيمون دويلات للطوائف باسم الشرع والحق والحرية، ومع ذلك تظهر عوراتهم كل يوم تحت القنابل المضيئة للطائرات الأمريكية والإسرائيلية، التي تحرق يوميا في بلداننا البشر والشجر والحجر...هذا زمن لا حرة فيه حتى تأكل ثديها، زمن أرعن مخصي، يتحكم فيه "أبو لهب" و"ابن العلقمي" و"أبو رغال"، وبالتالي فلا أستأنس بأي شيء في عالم بكل هذه الوقاحة، الكتب تأمر بالرحمة والوفاء والإنصاف والحرية، والذين يرفعونها فوق رؤوسهم(أو وراء ظهورهم) يمارسون "الاستمناء" الديني والأخلاقي، دون أدنى شعور بالخجل..!! س : في حالة تسليمكم للحكومة الليبية ماذا تتوقعون؟ ج : في الحقيقة أنا أعرف أنني بضاعة مهمة،(والدلال يقف فوق رأسي) ولذلك جاءني فرنسيون يسألون عن طائرة، ولبنانيون يسألون عن معمم مفقود، وأمريكيون يسألون عن ملفات تهمهم، وأوروبيون يسألون عن كوارث وانفجارات، وحتى عن رجال ونساء وأطفال، وعرب يسألون عن ظاهرة الطلاق وتعدد الزوجات وطبيعة دوري في كل ذلك، ومقتنع بأنني سأسلم- في النهاية- لمن يدفع أكثر، وفى حالة تسليمي إلى من تسمونها "حكومة ليبية" وأسميها أنا "قطيع جرذان الناتو" فلن أكون أحسن حظا من القذافى وأولاده، وأركان حكمه، حتما سأموت ولا تهمنى الطريقة التي سيقتلونني بها، فلا يضر الشاة بعد ذبحها أن تسلخ..!! س : الحكومة عندكم أعطت ضمانات واضحة، بأنك ستحاكم محاكمة عادلة وشفافة، ولن تتعرض للتعذيب أو الإكراه البدني، أو المعنوي ماردك؟ ج : أولا ليست عندنا حكومة عندنا "جرذان " وهؤلاء باعوا بلدهم للأجانب، ودمروه وأذلوا شعبه، وقتلوا خيرة رجاله، هل تتوقع منهم الوفاء بهذه الضمانات ؟! وهل تتوقع من أهلك الموريتانيين العرب الشرفاء الأقحاح، العظماء الشعراء، البدو الصابرين المكافحين، أن يسلموا رجلا مريضا استجار بهم لعدو يتربص به الدوائر؟! إذا تخليتم انتم في موريتانيا عن شهامتكم وعروبتكم، وقيم الوفاء لديكم وسلمتموني إلى "الجرذان" فمصيري هو الموت طبعا، ف"الجرذان" عملاء الغرب لا خلاق لهم، ولا يرعون إلا ولا ذمة في قريب أو عربي، أو مسلم، أو جار جنب، وسيصدق فيكم أنتم قبلهم قول القائل: "وظلم ذوى القربى أشد مضاضة على الحر من وقع الحسام المهند" وستكون الفكرة – حينها – واضحة تماما ، فأنتم ما استلمتموني- أصلا- من المغاربة إلا لتبيعوني في سوق النخاسة السياسية، وهم لن يدفعوا لكم ثمني إلا إذا كانت سكينهم جاهزة لذبحي بدم بارد..!! ألم أقل لكم إنكم تحركتم بوعي - وفى الوقت المناسب - لاقتناء "الكبش" ؟!! س : هل لديك استعطاف أخير للرئيس عزيز؟ ج : لا ...عزيز أتفهم ظروفه، وحجم الضغوط عليه، وحاجته لبعض المال...لو قلت لي أن أستعطف الشعب الموريتاني لقلت لك نعم، فهو شعب أصيل لا ينام على الضيم، ولا يظلم عنده أحد، لكن الأمر ليس بيده- مع الأسف- ككل الشعوب العربية اليوم ، أما الرئيس فلديه مشاكله وحساباته، وأنا أتقبل راضيا أي قرار يتخذه بشأني، ولن أعتب عليه، فاليوم ليس لدينا كعرب حكام أقوياء، نبكى أمامهم، أوعليهم، أو منهم، أو نستجير بهم ...لقد ذهب زمن الرجال الأوفياء العظماء، أما الشعوب فهي مغلوبة على أمرها حتى لو كانت عودتها للواجهة حتمية اليوم أوغدا، لتغسل هذا العار الذي لحق بأوطانها، بفعل تحكم شرذمة قليلة من عملاء الخارج و محرفى الكلم الثوري عن مواقعه، وكل شيء من التنفس، إلى الإنجاب، مرورا بالسعال، وليس انتهاء بالقرارات السيادية يأتي من واشنطن وتل أبيب، وآبار النفط التي تديرها الأسر الخليجية المخصية أصلا وفرعا...سجل أنني لم و لن أستعطف أحدا، وسأذهب إلى المصير الذي اختاره الله لي راضيا مؤمنا، غير ملتفت إلى الخلف....
بقلم : مهدي الشريف الادريسي ...