مررتُ اليوم بالآية من كتاب الله: <<وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا..>>، وفي لحظات تدبر الآية واستحضار تأويلاتها المتعددة التي اطلعت عليها في أوقات أخرى، تذكرت التبريرات التي قدمها بعض كبار علماء المسلمين بعد قتل بعض الأشخاص لأنفسهم قبل سنوات، وكيف انجرفوا مع تيار كاسح فتماهوا معه، وسيروا علمهم مع أهوائه..
ثم استحضرت الذم والقدح الذي تواجه به طائفة أخرى من العلماء على سيرهم في فلك الحكام، وتطويع العلم لرغباتهم وتبرير منازعهم..
تذكرت أني قرأت لبعض العلماء والباحثين (قدماء ومعاصرين) تحقيقات وأبحاثا تثبت أنه كان فيه دائما طريق وسط سلكه كبار العلماء منذ عصر الصحابة يسير بين دَسْكَرَةِ السلطان وحَرَّاتِ الجماهير (الرأي العام في عصرنا)، وهو طريق عبد الله بن عمر بن الخطاب بين عسف يزيد بن معاوية وثورة عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه..
وأن استقلالية العلماء عن السلاطين يجب أن تقترن ضرورة باستقلاليتهم عن الجماهير، وعن طوائف الأمة وفرقها السياسية المختلفة، فبذلك يتحقق مركز العلماء الصحيح..
إن مركز العلماء حين يبررون منازع السلاطين، هو نفسه حين يبررون منازع الجماهير (الرأي العام)، وفِرَق الأمة، ويبقى الموقف الصحيح هو التوسط الذي يجعل من علماء الأمة ضابطا وكابحا للسلاطين والفِرَق والجماهير..
ذلك أن منكرات الجماهير، وفرق الأمة، ليست بأقل شأنا من منكرات السلاطين، كما أن ضرر تودد العلماء للجماهير، والفرق، وتطويع العلم لرغباتهم وشهواتهم ومصالحهم ليس أقل على الأمة من التودد لذوي السلطان وتطويع العلم لرغباتهم..
إن الشحنة السلبية التي يشحن بها مصطلح "علماء السلاطين"، وتسقط على الموصوفين به، يجب أن يشحن بها كذلك مصطلح آخر يوازيه أصبح موجودا بقوة هو مصطلح "علماء الرأي العام" تماما كما شحن المصطلح القديم "علماء الفِرَق" بشحنات سلبية اسقطت على الموصوفين به..
من صفحة القاضي :أحمد ولد عبد الله ولد المصطفى