
لقد سعى القانون الموريتاني إلى محاربة المخدرات وذلك من خلال وضع القوانين التي تسعى لمحاربة هذه الجريمة الخطيرة جدا والتي لا يقتصر أثرها على صاحبها فحسب بل هي كارثة تدمر المجتمعات ...
وقد نظمها المشرع الوطني في القانون رقم 1993/37 الصادر بتاريخ 20 يوليو 1993 والمتعلق بمعاقبة مناجي المخدرات والمؤثرات العقلية و المتاجرين و المتعاطين لها بشكل غير مشروع ، وقد تأكد مساره المتوجه إلى محاربة هذه الجريمة الشنعاء من خلال الأمر القانوني 026/89 الصادر بتاريخ 1989/02/13 والذي سمح بالانضمام لمعاهدة فينا ، وكذلك المرسوم 031/89 الذي سمح بالانضمام لمعاهدة نيويورك ليصدر بعد ذلك القانون 37/93 المذكور أعلاه ..
وقد أتخذ المشرع نهجا واضحا في محاربة هذه الظاهرة وذلك من خلال وضع ترتيبات خاصة بإجراءات خاصة بهذا النوع من الجرائم وكذلك وضع عقوبات في مواجهتها وذلك لما يمكن أن يترتب عنها من آثار تشكل خطرا حقيقيا يهدد هذه المجتمع ..
فمنذ الوهلة الأولى خص المشرع هذه الجريمة بترتيبات قانونية تهدف إلى تسهيل البحث فيها حيث اعتبر الحراسة النظرية (72) ساعة ويمكن تمديدها مرتين كتابة من وكيل للجمهورية ، ومع تحديد خبير يقوم بإجراء فحص كل 24 ساعة ابتداء من وضع الشخص في الحراسة النظرية ، كما رتب مقتضيات متعلقة بالتفتيشات حيث سمح بها في أي وقت من الليل أو النهار وهي إحدى الحالات الخاصة التي تستثنى من مقتضيات المادة (52) من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أن التفتيشات لا تكون قانونية ابتداء من العاشرة مساء إلى الخامسة صباحا ...
غير أن المشرع تساهل كثيرا مع هذه الجرائم حيث عاقب أصحابها بعقوبات تعتبر عادية جدا مقارنة بالخطر البالغ الذي يتسببون فيه للمجتمع ...
و اعتبر أن المخدرات ذات الخطر البالغ وهي على سبيل المثال : الأفيون و الهيروين وكذلك الكوكايين بالإضافة إلى القنب الهندي و الميثامفيتامين ، و الإكستازي ....
وقد شدد المشرع على إنتاج و تصنيع المخدرات ذات الخطر البالغ فعاقب اصحابها عقوبات تتراوح من 15 سنة إلى ثلاثين سنة وفي حالة العود بالقتل وذلك طبعا لمقتضيات المادة( 3) من القانون المتعلق بمحاربة المخدرات المذكور أعلاه 1993/37 كما نص أيضا على نفس العقوبات في حالة التهريب و قد تصاحب هذه العقوبات غرامات مالية تتراوح بين عشر ملايين إلى مائة مليون أوقية .
غير أنه يعتبر متساهلا جدا ، حينما لا يتعلق الأمر بالإنتاج والتصنيع ، إذ يرتب على مثل غير هذه الجرائم المذكورة آنفا ، عقوبات تتراوح بين الخمس سنوات إلى عشرة (أنظر المادة 36 من قانون 37/1993 ) و بعقوبات مالية خجولة في مواجهة هذه الظاهرة المتفشية في الوقت الذي يجب فيه التشديد على مرتكبي مثل هذه الجرائم الخطرة ، وقد شملت هذه العقوبة كل من رزع واستخرج وحضر وصنع وحول وصدر و أورد وعرض وأرسل او شرى ونقل وحاز و سمسر أو وزع ....وكذلك ينطبق العقاب على الانتاج والمتاجرة في المواد الوسيطة و التي لا تعتبر مخدرات في حد ذاتها لكن إساءة استخدامها تمكن من إنتاج المخدرات ...
بينما كان المشرع "رومانسيا" مع المتعاطي ، المستهلك للمخدرات ، فنص في المادة (38) على حظر التعاطي و أتبعها مادة تنص على أنه يعاقب بسنتين كأقضى حد وبغرامة من 50 ألف إلى 100 ألف أوقية او بإحدى العقوبتين المتعاطي بصفة غير شرعية ...
كما نص على ترتيبات بديلة تشمل العلاج سواء بطريقة إجبارية أو اختيارية ، وتكون هذه العلاجات ضد التسمم وذلك تحت رعية مؤسسة طبية وتحت رقابة أيضا ولا تمارس الدعوى العمومية ضد من انصاع للعلاج الطبي وقد نصت على هذه المقتضيات المواد : 43 ، 44 ، 45 ، 46 ، 47....
كما نص هذا القانون أيضا على العقوبات التكميلية أو الاضافية والتي تتمثل أساسا في المصادرة والحرمان من الحقوق المدنية وتعليق رخصة السياقة والمنع من مزاولة المهن الحرة وذلك حسب المواد 15 ، 16 ، 17 ، 18 ، 19 ، 20 ، 21 ، 22 .
ولئن كان المشرع أوجد نصا قانونيا صريحا بمعاقبة مرتكبي مثل هذه الجرائم ، و لئن كانت العقوبات لا ترقى إلى المستوى للمطلوب في معاقبة هذه الجرائم إلا أن التدخلات والضغوطات التي تعيق العديد من الملفات المتعلقة بهذه المواضيع لا زالت تشكل عقبة كأْداء يجب على المجتمع التخلي عنها لأنها تضر به أكثر مما تنفعه ، و المتعاطي لا تخدمه أيضا بل يجب التبليغ عنه لكونه مجرما خطره متعد وليس لازم ، ويكون الخطر أكثر حينما يتعلق الأمر بتجارة هذه المواد أو توزيعها أو إنتاجها أو تصنيعها ....
فالخطور في مثل هذه الجرائم يطال المجتمع بأسره لذا يجب الوقف ضد هذه الجريمة الشنعاء ، الوقوف دولة وقضاء و مجتمعا و أسرا وأفراد ... في مواجهة هذا الخطر الذي دق الباب و دخل بل و باض و فرخ في أوساطنا مما أدى إلى اعتبار محاربته واجبا وطنيا يقع على عاتق اجميع ..
محمد محمدو عبدي

.jpeg)
.jpeg)


.gif)
