
مع استعداد حزب الإنصاف لمرحلة تنظيمية جديدة، يبرز سؤال يتجاوز الانشغال بالهياكل والمناصب إلى جوهرٍ أعمق يتعلق بكيفية ترسيخ منظومة تحفظ ذاكرة الحزب وتؤمّن تواصلاً أكثر نضجًا بين الأجيال السياسية المتعاقبة، فمن الطبيعي أن تتجدد القيادات وأن تتغير الأدوار وفق مقتضيات المرحلة، غير أن التحدي الأكبر يكمن في صون الخبرات التي راكمها الحزب عبر سنوات العمل الميداني، وفـي حماية الجهود التي بذلها المناضلون في لحظات مفصلية من مساره السياسي
لقد أثبتت التجربة أن غياب أرشفة مؤسسية شاملة يجعل بعض الإنجازات عرضة للنسيان، ويؤدي أحيانًا إلى تكرار مبادرات سبق للحزب أن نفّذ نماذج مشابهة منها لمجرّد أنّ موادها لم تُحفظ داخل نظام معرفي منظم، وفي هذا الفراغ تضيع جهود وتُعاد مسارات كان يمكن البناء عليها لتعزيز الفاعلية التنظيمية وترقية أداء الهياكل
ولا يقف الأمر عند البعد التقني،فالتوثيق الدقيق يندرج ضمن العدالة التنظيمية نفسها لأنه يمكّن الحزب من تقدير جهود من عملوا في الميدان، ويمثل أداة موضوعية لإبراز من أثبتوا حضورًا وتمثيلًا حقيقيًا للقواعد الشعبية،وفي سياق يتجه نحو مؤتمر قادم، يصبح ضمان تمثيل هذه الطاقات داخل الهيئات القيادية جزءًا من الاعتراف بدورها في ترسيخ الحضور السياسي وتعزيز رصيد الحزب
وفي قلب هذا الجهد يبقى الشباب بما يحملونه من ديناميكية ومعرفة بالواقع الاجتماعي عنصرًا محوريًا في أي مشروع سياسي طموح، فقد أثبتوا قدرتهم على تجديد الخطاب، وتطوير أدوات المشاركة، والحفاظ على خط التماس بين الحزب والمجتمع،ومنحهم دورًا مؤثرًا داخل الهياكل ليس مجاملة ظرفية، بل ضرورة عملية للحفاظ على الحيوية الداخلية واستدامة القاعدة التي يستند إليها الحزب
من هنا تتجلى الذاكرة المؤسسية الرقمية بوصفها حجر الزاوية في إدارة التطور التنظيمي،فهي ليست مجرد أرشيف إلكتروني، بل منظومة متكاملة تحمي التجربة السياسية من التشتت، وتُراكم الخبرة، وتمنح القيادة رؤية دقيقة لمسار الحزب، من نجاحاته إلى نقاشاته مرورًا بقراراته وتوصياته،ومع هذا النوع من المعرفة المنظمة يصبح اتخاذ القرار أكثر رشادة، وتتقلص مساحة الارتجال، وتُتاح للحزب القدرة على البناء فوق ما تحقق بدل البدء من جديد في كل دورة
وحين تُبنى هذه المنظومة على أسس متينة، فإنها تضمن انتقالًا سلسًا بين القيادات، وتمنح الفريق الجديد صورة واضحة عن المسار دون الحاجة إلى سنوات من إعادة التقدير وجمع المعطيات،كما تجعل عملية التقييم أكثر موضوعية لأنها تستند إلى معلومات موثقة لا إلى انطباعات آنية، فيعرف الحزب عندها كيف يكافئ من يستحق، وكيف يصحح المسار عند الضرورة
إن الرهان اليوم هو تحويل هذا التصور إلى مشروع عملي داخل حزب الإنصاف، عبر منصة أرشفة حديثة تُدار بمهنية وتُحدّث باستمرار، وترافقها آلية دقيقة لجمع التقارير والقرارات والدروس المستفادة من كل محطة تنظيمية أو انتخابية،وعندما يكتمل هذا البناء يصبح خطوة سياسية تعكس احترام الحزب لتاريخه وثقته في مناضليه وإدراكه لأهمية إدارة المعرفة في زمن سريع الإيقاع
فالحزب الذي يحفظ ذاكرته يحفظ قوته، والحزب الذي ينصف الميدان وينصت لفاعليه ويمنح الشباب موقعهم الطبيعي داخل هياكله هو الأقدر على تجديد رسالته والارتقاء بممارسته وخدمة الوطن بثبات ورؤية واستمرارية. ومن هذا المنطلق، فإن بناء ذاكرة مؤسسية رقمية ليس خيارًا إداريًا ثانويًا، بل ركيزة استراتيجية لمستقبل الحزب وجسرًا يعزّز جاهزيته للاستحقاقات المقبلة
النائب زين العابدين المنير الطلبه

.jpeg)
.jpeg)


.gif)
