افتتاحية الثلاثاء 27/02/2024
ليس مفهوما أن يرفع بلد شعار التهدئة السياسية والحقوقية وينشئ نظامه أكثر من هيئة رسمية لرعاية حقوق الانسان وترسيخها في العقيدة المعتمدة للدولة، ويركب إعلامه والإعلام والصحافة الدائرة في فلكه غوارب الدفاع عن الحريات وصيانتها، في وقت تمارس أجهزته القمعية البطش بالمتظاهرين السلميين في الساحات والشوارع وتتعمد الوقوع في مطبات ومحاذير لم يتجرأ أي نظام بعد العهود الاستثنائية من الاقتراب منها، كما حدث اليوم مع طلاب يتظاهرون بشكل سلمي أمام وزارة التعليم للحصول على بعض الحقوق البسيطة، ومثلما وقع مع النشطاء الحقوقيين وأصحاب المظالم …
ووقع قبل ذلك في مخافر الشرطة وثكنات الجيش..وأخطر ما في الأمر أن دلالاته توحي بأن مرحلة المد في التفاؤل نحو الوئام والقبضة الناعمة الممدودة في بداية العهدة ربما بدأ يعقبها جزر مخيف في نهايتها، وحوادث مطردة أخرى تؤكد أن تاريخ أنظمتنا مع الحريات السياسية مأساوي في جوهره، وذا طبيعة نزقة تفاجئنا دوما بتراجعات تحفر للأحداث مسارات غير ما نتمنى في كل مرة .
ما يغيب عن البال أن الأزمات الوطنية في العالم - ونحن جزء منه - مناسبة لمولد العبقريات النضالية، بقدرما تنتج الجلادين تخلق المناضلين والقادة العظام، وقد تحول الخجولين إلى نمور في الميدان واحتمالات انبثاق فرسانها المضمرة تولد غالبا في ظروف القمع وممارسة السلطة الخشنة بلا رقيب ، ويضاعف من ظهورها التخلي عن الاعتماد على هيبة مفهوم الدولة ومؤسساتها وردعها المعنوي الكبير إلى الاعتماد على قبضة الأمن والإدارة واستعراض عضلاتهما بسبب وبدونه، والانصات الى التيارات الاستئصالية في الدولة العميقة الخبيرة بحكم فطرتها الانتهازية في فنون التحول من قاعدة النظام في الأمس إلى معارضته اليوم .
ما قامت به الشرطة اليوم أمام مبنى وزارة التعليم انتهاك صارخ لأبسط الحقوق وتراجع مخيف في الوعود المقدمة حول الحريات العامة وحقوق الإنسان تجب إدانته والتضامن مع ضحاياه وفتح تحقيق فيه، رغم أن ما تظهره الصور والشهادات لا يحتاج إلى أطروحة جامعية للوقوف على دلالاته، فدلالاته يدركها دون عناء كل من شاهده .