إن الناظر إلى واقع المؤسسات التعليمية والتربوية في موريتانيا خاصة الإعدادية والثانوية والجامعية منها، يدرك بجلاء مستوى الانحطاط الأخلاقي والقيمي الذي وصل إليه أبناء المسلمين في طريقهم إلى رواق المعرفة وبناء الذات على أساس من العفة و الاستقامة والتقوى مكين .
فالعلم النافع هو الذي يخرج من مشكاة النبوة ! فكيف يمكننا أن نضبط هذا الواقع المارق على ضوابط الشرع ونبارز هذه الظاهرة المتنامية مع اكتظاظ المؤسسات التعليمية بالطلاب والطالبات في الفصول الدراسية ومواسم الامتحانات والاختبارات؟ ولعل في هذا براعة استهلال حيث تفصلنا أيام قليلة عن الامتحانات النهائية للفصل الأخير من السنة الدراسية الحالية، نسأل الله التوفيق والسداد والنجاح لجميع الطلبة، هذا ماسأحاول تناوله بإيجاز في هذا المقال .
إن ضبط هذا الواقع لايمكن أن يتم دون العمل بمقضى النصوص الشرعية وتنزيل الحِكَمِ المقاصدية على ضوابط الوسيلة وغاياتها طلبا للاستقامة على منهج الله تبارك وتعالى:
(فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير 112 وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ / الآية 113 سورة هود) . وقد كان الحسن البصري رحمه الله يقول: " الحمد لله الذي جعل الاستقامة بين لاءين " ، مبينا ثنائية التناول في مسلك الغلو " لاتطغوا " وفي المقابل مسلك التمييع " ولاتركنوا " . ثم إن القلب إذا تعلق بشيء لا بد وأن ينعكس على الجوارح كما هو مقرر في الشرع وعند علماء النفس، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير في الصحيحين:
( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) .
لذلك فإن الأصل في الاختلاط المنع والحظر سواء على وجه التحريم أو الكراهة بحسب الحال؛ لأنه ذريعة للفساد ، وقد أمر الله قدوة النساء أمهات المؤمنين فقال : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) وبين الحكمة من ذلك فقال سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( الأحزاب: 33) وهذه حكمة ظاهرة، ولأجلها أيضا قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) ثم بين العلة فقال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ( الأحزاب: 53 ).
قال السعدي رحمه الله : لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه. فلهذا من الأمور الشرعية التي بين اللّه كثيرًا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته ممنوعة، وأنه مشروع البعد عنها بكل طريق.
وقد ذكر العلماء أربعة ضوابط جوهرية لاختلاط الرجال بالنساء إذا كانت هناك حاجة مشروعة تقتضيها قواعد الشرع التي أجازت خروج المرأة لصلاتي الجماعة والعيدين .
1 _ أن يكون الاختلاط لحاجة أوضرورة معتبرة شرعا
2 _ عدم الخلوة و غض كل من الطرفين بصره عن الآخر بحيث لاينظر بشهوة ولايطيل النظر لغير داع . ( قُل لِّلْمُومِنِينَ يَغُضُّواْ مِنَ اَبْصٰ۪رِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْك۪يٰ لَهُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصْنَعُونَۖ (30) وَقُل لِّلْمُومِنَٰتِ يَغْضُضْنَ مِنَ اَبْصٰ۪رِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَاۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَيٰ جُيُوبِهِنَّۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوَ اٰبَآئِهِنَّ أَوَ اٰبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوَ اَبْنَآئِهِنَّ أَوَ اَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوِ اِخْوَٰنِهِنَّ أَوْ بَنِےٓ إِخْوَٰنِهِنَّ أَوْ بَنِےٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَٰنُهُنَّ أَوِ اِ۬لتَّٰبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِے اِ۬لِارْبَةِ مِنَ اَ۬لرِّجَالِ أَوِ اِ۬لطِّفْلِ اِ۬لذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَيٰ عَوْرَٰتِ اِ۬لنِّسَآءِۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّۖ وَتُوبُوٓاْ إِلَي اَ۬للَّهِ جَمِيعاً اَيُّهَ اَ۬لْمُومِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَۖ (31) سورة النور .
3 _ التزام المرأة ارتداء اللباس الشرعي المحتشم الساتر جميع البدن مما لايحل للأجنبي رؤيته من غير المحرم : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذنين ) . ومن جميل قولهم : " المرأة المتحجبة كالملكة ، والمتبرجة كالسعلة " يسومها كل مفلس . وقد أحسن الداعية الشيخ محمد سيدي يحيى _ حسب ما ينقل عنه _ في تشبيهه المرأة المتبرجة على الشوارع بسيارة الأجرة التي يرغب كل أحد في الإشارة إليها بالتوقف والركوب فيها ، بينما شبه المرأة المتحجبة بالسيارة الفارهة التي لايحلم أحد في توقفها .
4 _ تجنب المرأة استعمال كل ما من شأنه الإثارة من أنواع الزينة والروائح العطرية التي هي خاصة بالبيت دون الطريق ، فقد روى النسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية. وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه استقبلته -أي في الطريق- امرأة متطيبة فقال: أين تريدين يا أمة الجبار؟ فقالت المسجد. فقال: وله تطيبت؟ قالت نعم. قال أبو هريرة إنه قال: أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة تريد المسجد لم يقبل الله عز وجل لها صلاة حتى ترجع فتغتسل منه غسلها من الجنابة. وأمرها بالغسل ليس لأنها جنب ، وإنما أمرت بالغسل لتذهب رائحة الطيب.
وتطبيقا لهذه الضوابط لابد من مراعاة ضروة إعمال الوسائل العملية الضبطية الحديثة سدا لذريعة انتهاك محارم الله ، وذلك بسن قوانين رادعة تنظم سير الدراسة في المؤسسات التعليمية التي تجمع الرجال بالنساء وفق الضوابط الشرعية ، ولقد أدرك الغربيون هذه الحقيقة وأطلقوا دعوات جادة لفصل البنات عن الأولاد في الدراسة ، لما لاقوه من فساد في الأخلاق وانحراف في السلوك والقيم وصل نسبة 87.8% حسب إحصائية لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة الأمريكية ، هذا في مجتمعات قومها يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم الآخرة هم غافلون .
وللأسف فإن بلادنا لم تسجل أي خطوة جادة في هذا السبيل من الناحية القانونية رغم ما تعانيه المؤسسات التعليمية من إفلاس في قيم الأبناء والبنات وتنامي أزمة السلوك التي يقف خلفها محبو إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، من خريجي مدرسة عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين .
وإذا أُصـيـب القـــوم في أخـلاقـهــــم *** فـأقـــمْ عـلـيـهـــم مـأتـمـــاً وعــويــلا
وسائل المحاربة :
أولا : الفصل بين البنين والبنات في حافلات النقل بتخصيص حافلة نقل لكل من الجنسين .
ثانيا : فتح باب خاص بدخول النساء وآخر للرجال في المؤسسات التعليمية
ثالثا : تخصيص قاعات لتدريس البنات أو التفريق بينهن مع الأولاد في الجلوس على مقاعد الدراسة مع الالتزام بالضوابط الشرعية ، وكثيرا ما يجد الأساتذة حرجا في التعامل مع هذا الأمر .
رابعا : منع جميع أشكال الاحتفالات أوالتجمع في الأزقة وسوح الحرم الجامعي وأمام المؤسسات التعليمية .
خامسا : تأخير النساء خروجهن كما يفعلن في الصلاة . إن السلامة من سلمى وجاراتها .... أن لا تمر بواد حول واديها .
هذا بالإضافة إلى ضرورة استشعار الأسرة لمحورية دورها وعدم تخليها عن تربية أبنائها لصالح المدرسة التي لم تعد مؤتمنة على مستقبل الأجيال في غالب الأحوال ، فالجميع راع ومسؤول عن رعيته أمام الله عز وجل ، ولكن مهمة ولي الأمر والعلماء والدعاة أعظم لأنهم المبلغون عن الله والحاملون لمشعل دعوته النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا يزال أهل العلم على مر العصور ينبهون ويحذرون من مغبة هذا الاختلاط حتى في مجالس الوعظ وترقيق القلوب.
ولقد أحسن شمس الدين بن قيم الجوزية إذ يقول _ رحمه الله _ في كتابه " الطرق الحكمية في السياسة الشرعية " : ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال. قال مالك: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصياغ في قعود النساء إليهم ... . فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة، قال صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وفي حديث آخر: باعدوا بين الرجال والنساء ...
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة ..
فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا ، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعا لذلك اهـ.
نسأل الله الهداية والرشاد والتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند فساد الأمة .
محمد المصطفى لولي