لقد كتبت وتحدثت مذ بعض الوقت وعاودت الكتابة والحديث مرة بعد مرة حول موضوعات رئيسية يتقدمها مطلب تمتين وتقوية وترسيخ أسس الوحدة الوطنية و رأيت ذلك المطلب لايمكن إلا من خلال تطبيق وإشاعة روح المساواة والعدالة وتكافئ الفرص بين جميع فئات الشعب وكذلك عن طريق محاربة العقليات الفاسدة المتخلفة الموروثة من الماضي والمستمرة منذ اقتضت البداوة توزيع الأعمال لملاءمة ظروف البيئةوحاجات الوقت فأفضى ذلك إلى توزيع أدوار ونشاطات تساعد على استمرار الحياة فنشأت عن هذا التوزيع التراتبية البدائية التي جعلت المهن والحرف منطلقا لتقسيم المجتمع إلى أشراف ونبلاء يتمتعون بمكانة وحظوة ليست لغيرهم فهم الذين يمارسون السيطرة بحمل السلاح ، أو حمل الكتاب والتعمق في تعاليم الدين، بينما جعلت الفئات الأخرى التي مارست مهنا أخرى ضرورية وشديدة الأهمية للحياة كالحدادة والنجارة والغناء وتربية المواشي والزراعة ، أقل أهمية وحظوة فحكموا عليهم بالتهميش والعيش في دونية أزلية قررها عليهم مجتمع الجهل والبداوة !!
لقد اوضحت دائما أن علاج التدهور المستمر في قوة اللحمة ومتانة الأواصر داخل النسيج الأجتماعي الوطني بين القوميات الوطنية من عرب وزنوج وبين المكونات و الفئات داخل القوميات مثلما عليه الحال داخل القومية العربية من تناقض بين العرب السمر الذين مر بعضهم بمراحل استرقاق وبين إخوتهم من نفس القومية لابد لعلاجه من حسم وحزم لأنه يتضمن تغيير عقليات اقترنت بمصالح وامتيازات يصعب التخلي عنها بسهولة ودون مقاومة .
لقد شرحت رؤيتي للأسباب التي تجعل نظام التراتبية المتخلف ونظام التعامل مع من مر عليهم الأسترقاق على أنهم دون مستوى النبلاء والأشراف هذا الأمر هو الذي تسبب في منع إمكان الأنسجام والوئام الكاملين بين فئات المجتمع، وأوضحت كثيرا تصوري لكيف تكون المعالجات ، وبسبب اقتناعي بالمخاطر وإيماني باقتراب ظهور رفض المجتمع بكل تلوناته للأستمرار في قبول ممارسة السياسات القائمة مذ الأستقلال وكنت أرى مؤشرات واضحة لإنتهاء مرحلة استمرار صلاحية السياسات القديمة التي لا تقبل إنهاء التراتبية وتطبيق المساواة الكاملة في القيمة الأجتماعية وفي فرص الحياة .
إن عدم الدخول في علاقات اجتماعية كاملة والتزاوج بين الجميع واعتبار الجميع إخوة يستوون في المكانة الاجتماعية ولا يختلفون إلا في الخصائص الفردية المتأتية من الخبرة والتميز الذي يحصله الفرد عبر جهده واشتهاده وتوفيق الله له، وكذلك قبول ممارسة كل الأعمال بشكل مشترك للجميع فلا يمكن ترفع أحد عن أعمال واعتبارها حقيرة لديه ولاتناسبه بسبب أصله الأجتماعي ، فيجب على المجتمع اجتثاث كل الأفكار التي خلفها ماضي التخلف البغيض الذي كان ضحية له واكتوى بناره ماشاء الله من زمن حان انتهاؤه!!
لقد كان استمرار السياسات الغبية التي مارستها الأنظمة الماضية قد عمقت وضخمت تأثير تهميش المهمشين الذين هم غالبية الشعب في الوقت الذي خصت فئة قليلة بالمكانة والحظوة طيلة المراحل الطويلة ولم يبقى ممكنا استمرار هذا الأمر بسبب عاملين:
أولا: تعقد المشكلات التي استمرت تنمو وتتطور وتتضخم دون توقف طيلة المرحلة الماضية حتى بلغت درجة استحال معها استمرار إهمالها وعدم علاجها..
ثانيا : لقد تطور الوعي لدى الكثيرين فصاروا يرفضون السياسات التمييزية وكثير من المظاهر والسلوكيات غير الصحيحة ،وأصبح بعض المعتدلين في الرأي والمتسمين بالمرونة من المطالبين بالمساواة والعدل يتخلون شيئا فشيئا عن المكانة التي كانت لهم بسبب تأخر الإصلاح ليحتل المكانة أناس أكثر توتيرا وأقرب إلى الرادكالية والتطرف!!
لقد كررت الكلام في الموضوع ونوعت التعبير عما أرى من مآلات تطور الأمور إذا لم يحدث تغيير في السياسات المتبعة المتسمة بعدم الوعي والافتقار للمسؤولية.
فليت الكلام تليينا في كتاباتي أحيانا وأنذرت و أوضحت المخاطر بأشد العبارات في أحايين أخرى، و قد عبرت طيلة الفترة الماضية عن استغرابي لراحة بال الكثير من الكتاب والسياسين الذين لم أراهم يهتمون كثيرا لما يعتمل في المجتمع من تناقضات تنذر بأسوء العواقب وقد ظل عزوف علماء البلد بمايتمتعون به من مكانة وتأثير لدى الرأي العام ظل عزوفهم عن تناول مشكلات المجتمع والمخاطر التي تهدد الوطن يشكل بالنسبة لي لغزا لم أستطع حله، لقد فكرت أحيانا بأن ذلك بسبب محدودية الوعي السياسي وإدراك الواقع لكنني لم أرى ذلك مناسبا بسبب وجود علماء كثيرين متفننين يعلمون من السياسة أكثر مما أعلم ومما يعلم غيري وأحيانا بلغ طموح بعضهم مستوى محاولة تغيير سلوك العالم جميعه !!
الم يدرك أولئك الأفذاذ الفضلاء أن الوطن مهدد بالانفجار والتفكك نتيجة أمورليست من الدين في شيء والمجتمع لايدرك ذلك بوضوح ويمكنهم إذا تدخلوا توضيح الأمور وإذا شاركوا في توضيح المسائل أن يبعدوا الخطر وتتقدم الأمور؟!!
لقد بذلت ما ستطعت من إيضاح المشكلات تصريحا في اكثر الأحايين وتلميحا في أحايين أخرى كل ذلك لألفت نظر المهتمين وفي مقدمتهم أهل الحل والعقد
من السلطات الحاكمة فدبجت أقوالا ومقولات كثيرة حول نفس الموضوعات وبرهنت بما استطعت إيضاحه
على إلحاح موضوع علاج مختلف المظاهر والاختلالات وحاولت بتجرد ودون غرض شخصي تنبيه الغافلين وأيقاظ النائمين على الحالة التي يعيشها المجتمع .
وقد صدق على كل ما بذلته مقولة "لقد أسمعت لو ناديت حيا لكن لاحياة لمن تنادي"
إنما نرى اليوم من تطور في أساليب عرض مسائل الاختلاف ومطالب غير الراضين عن السياسات من أساليب غير معهودة و من تجاوزهم لكل الخطوط الحمر إذا كانت هناك خطوط حمر ومن شيوع وسيادة المبالغة و التطرف بكل أنواعهما..
إن الصوتيات التي تتبنا القبلية بصراحة ودون خجل تضر ولاتنفع، ومهما كانت حججهاومبرراتها، وكذلك الصوتيات التي تمثل توجهات طائفية انعزالية لايبرر لهجتها وأسلوبها ظلامتها التي ترفع كماأن الخطاب الشرائحي المتزمت والمنغلق لايخدم قضية ولايقرب من حل لمشكل فكل هذه المظاهر تشكل جميعها محاولة للخروج على الإجماع الوطني وعليه إجماع المجتمع إنه يحرم المس بالمقدس وهو وحدة الوطن وحوزته الترابية..
و يجوز انتقاد كل أمر وكل فعل يستق الأنتقاد ما لم يتجاوز إلى مايمس الوحدة والحوزة الترابية والسيادة !!
وإن التعبير عن المطالب لايمكن أن يكون بأساليب انعزالية، إلغائية، بذيئة وفاحشة، ولا يكون بأسلوب لايهتم بضمان استمرار الوحدة كضمانة للقوة والأستقرار لتحقيق أي شيء له فائدة للوطن والمواطن، فرأس المال الأكبر والأهم للجميع هو الوطن فإذا تم المساس بقوته ومتانته وسلامته فأية نتائج إيجابية يمكن توخيها؟
إن تطور نشاط أهل صوتيات الفوضى واللا انضباط يؤكد الحاجة لأخذ السلطات الوطنية زمام المبادرة ودعوة بعض عقلاء البلد للمشاركة في تقييم الأمور ووضع سياسات صحيحة توقف التدهور وتبدؤ علاج نقاط الضعف في السياسة العامة والمتمثلة حسب رؤيتي في ثلاث مجالات
أولا: الوحدة الوطنية التي يجب أن لايستمر الحبل فيها على الغارب للمتصيدين في المياه العكرة ،فيجب إنهاء الجفاء الحاصل مع مكون إفلان فلا يمكن ترك مطالبهم وشكاياتهم دون بحث ودون علاج فهم بغض النظر عن حجمهم ضمان وجود هذا الوطن وليسوا جماعة فقط تعيش على الهامش إن حوارا جديا مع مثقفي إفلان وإشراك أهل العقول منهم ومن غيرهم فيه ضروري ،وفعل ما يترتب على الحوارات أمر في غاية الأهمية وفي غاية الإلحاح، أما ردود الفعل المتشنجة على مطالب بعض عناصرهم ومهما بلغت لهجتهم من حدة فليس يناسب الوضع وأطلب من السلطة وكل التقدمين والمتسمين بالوعي من قوميين وإسلاميين أن يتحلوا بالتفهم والوعي لمشاكل الإخوة الهالبلاريين وبذل كل جهد ممكن للالتقاء معهم على مافيه مصالح هذا الوطن الذي لن يحوزه أحد دون الآخر!!!
وفي نفس الوقت يجب دراسة مسالة إنهاء الرق ومخلفاته ومشكلة التراتبية وما يمس بالمساواة بشكل أكثر جدية وواقعية مما كان عليه الحال وبدؤ خطوات في المجال ملموسة وغير مسبوقة ،
إن عدم إشراك المجتمع بكل قواه وفعالياته في مجهود صريح و واضح لإنهاء العقلية المتحجرة التي ترفض المساواة يجعل كلما نقول تنقصه المصداقية قبل أن تنقصه عدم الفعالية إن موقفا واضحا وصريحا من الدولة والأحزاب يشترك فيه العلماء والكتاب، والنواب وكافة المسؤولين الإيداريين والمنتخبين، لو تحقق لتغيرت العقليات في مدة قليلة ، لكن الواقع أننا لم نواجه المشكلة بما تستحق فبقينا نقدم رجلا ونرجع أخرى لانرى أهمية للموضوع تقتضي الأستعجال ولانرى تأثيره الوجودي على البلد ،ويتم علاج الأمور بالرشاوي والترضيات وباالتهديدات والعقوبات و كل ذلك غير مناسب وغير صحيح.
إن عدم إنهاء التهميش للمهمشين وعدم تطبيق المساواة يعتبر حكما بالإعدام على الوطن الذي إسمه موريتانيا عرف ذلك من عرفه و جهله من جهله!!!
ثانيا: إن أي عمل لايمكن نجاحه في ظروف الفساد وسوء الحكامة فلايمكن تسوية أية مشكلة ولاتقرير سياسة مفيدة بواسطة إدارة فاسدة ومسؤولين لايبحثون سوى عن مصالحهم الشخصية .
إن علاج سوء التسيير وسوء التصرف أولوية طال الكلام عنها دون تقدم يذكر ومن نافلة القول استعجال فعل شيء ما لتحسين الوضع، وقد سألني أحد الإخوة فقال كيف يعرف الرئيس وغيره نزيها من سارق عندما يريد تعيينهم فقلت له إن من لم يجرب بوظيفة يمكن دراسة ملفه هل فيه تزوير للعلامات والشهادات وكيف كان تعليمه وأمور كثيرة لاتعجز الدولة عن إدراكها وتستطيع بها معرفة قدر مهم عن الشخصية المعنية، ثم وبعد التعيين سيظهر السلوك والفائدة والإنتاجية إن كان جيدا كرم ورفع وإن كان غير ذلك عرف وترك. وإذا كان الشخص ممن مارسوا الوظائف من قبل فالجميع يعلمهم من ملك مالا يفوق راتبه ومن بنى بناء يفوق دخله ومن وظف قبيلته في وزارته أو مصلحته، ومن ،ومن أمور كثيرة توضح حالة الشخص ،ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها ويشاطر من يظهر عليه الغنى ماله ليضعه في بيت المال ، !!
إن من عين من ظهر حاله وتسييره الغير جيد فقد قصد استمرار الفساد ،ثم إن الخلق كثير وكلما راى الفائدة والنجاعة في الأستقامة وحسن السلوك فسيسعون لعمل الأحسن لكنهم يستمرون في سلوكهم غير القويم إذا لم يجدو فيه غير الربح وصلاح الحال لمن لم يكن له وازع من دين أوخلق!!!
ثالثا: إن عدم إعطاء السلطة أية عناية لببيئة تحطمت كما هو الحال في بيئتنا يؤشر إلى لا مبالات وجهل لايمكن معه توقع خير منها أو أمل فيها ولا إنجاز ،إننا اليوم نمتلك ملايين رؤوس المواشي تعيش في مالي والسينغال وعند امتناع مالي والسينغال عن إعطاهما الإذن بالرعي في اراضيهما فستنفق حيواناتنا وتنتهي في شهور قليلة مخلفة قنبلة بشرية مهلكة مئات الآلاف من المواطنين بلا دخول يضافون إلى سكان المدن الممتلئة اليوم بالفقراء ،وفي هذا الوضع كيف سيكون الحال؟!!
إن حكوماتنا المتعاقبة تركت بيئتنا تتدمر وتتصحر فجميع أراضينا عمها التصحر حتى أصبحنا في وضع يصعب معه تقدير الجهد الذي يمكن إذا بذلناه أن نوقف تدهور مابقى من بيئتنا وكيف يمكن التفكير في إعادة التأهيل لها إذا وجدنا الإرادة والوعي والإخلاص !!
وأخيرا أقولها وللمرة الألف: أستجدي حكومتنا وعلمائنا ومثقفينا وجميع سياسينا وكل من يشعر بأهمية سلامة الوطن واستمراره أن يعمل بجد وإخلاص لتصحيح سياساتنا وتوحيد شعبنا وتعبئته للمشاركة بقوة في معركة البناء وآنهاء الفقر والجهل والتخلف ..لنتمتع بخيرات أراض كريمة جميلة معطاء تحفظ لنا في أحشائها من الكنوز مايفرحنا وفي شواطئها من الثروات مايغنينا وفي تربتها من الخصب ما يضمن لنا أجمل حياة وأشرف حياة وأكثرها خصبا ونماء ، فالله نسال أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ويسدد خطانا، ويحفظنا وبلادنا من الفوضا وسوء التصرف!!!
التراد ولد سيدي