تحديات الاقتصاد الموريتاني

ثلاثاء, 27/04/2021 - 10:29

إذا كانت موريتانيا معروفة بأنها بلاد صحراوية قاحلة فقيرة، فإنها معروفة كذلك بأصالة أهلها العربية وتمسكهم بالعلم والشعر والنحو العربي وسميت بلد “المليون شاعر”، كما إنها معروفة بمواردها الطبيعية كالثروة السمكية ومناجم الحديد والنحاس والذهب، ومؤخراً الغاز الطبيعي الذي يتوقع البدء في إنتاجه قريباً. يتميز الاقتصاد الموريتاني بالمستوى التصنيعي المتدني، والاعتماد أساساً على تصدير المواد الأولية، وعدم الربط بين القطاعات الاقتصادية.
يقدر الناتج الداخلي الخام بنحو 7.9 مليارات دولار لسنة 2020، ويقدّر مجموع السكان بنحو 4.6 ملايين نسمة، تتميز بمعدل بطالة يصل الى 31 في المئة (حسب مسح المكتب الوطني للإحصاء في 2014) ونسبة تقريبية قد تصل الى 48 في المئة.
وتتوزع مشاركة القطاعات في تكوين الثروة الوطنية على النحو التالي:
– القطاع الأولي (الزراعة، الصيد، التنمية الحيوانية): 27 في المئة
– القطاع الثاني (المعادن والصناعة): 30 في المئة
– القطاع الثالث(التجارة والخدمات): 43 في المئة
هذا بالإضافة الى القطاع غير المصنف الذي يصعب إصدار أرقام حوله.
وتلعب ميزانية الدولة التي تساهم بنحو 26 في المئة من الناتج الداخلي الخام دوراً مهماً في الحركة الاقتصادية للبلاد، حيث تشكل الوظيفة العمومية والمؤسسات الحكومية أكبر جزء من الوظائف المتاحة، كما تشكل العقود والصفقات العمومية ركيزة أساسية في تنمية القطاع الخاص.
برنامج إصلاحي
صادق صندوق النقد الدولي في 3 مارس 2021 على المراجعة السادسة والأخيرة لتسهيل القرض الموسع، وهو برنامج إصلاح اقتصادي أبرم في 6 ديسمبر 2017 بغلاف اجمالي بقيمة 167 مليون دولار، وقد ساعد هذا البرنامج في تعزيز النمو والحفاظ على ميزانية متوازنة واستقرار المديونية وإعادة بناء الاحتياطات الخارجية.
خلال العام 2020، تلقت موريتانيا العبء الأكبر من آثار وباء كوفيد 19، حيث انكمش الناتج الداخلي الخام بنسبة 2.2 في المئة في العام نفسه، وليس واضحاً، بالنظر إلى التأخير في الحصول على اللقاحات، أن يكون هناك انتعاش اقتصادي في العام 2021 بحجم توقعات نمو مبدئي بنسبة 3.1 في المئة لهذا العام، كما إن تحليل الاقتصاد الموريتاني يظهر أنه بات من الوارد التفكير في إعادة رسم محددات النموذج الاقتصادي الذي يصلح للبلد ويتماشى مع خصوصياته الاقتصادية والاجتماعية ويضمن اندماجه في الدورة الاقتصادية العالمية، مع ما يتطلبه ذلك من اعتناء وتثمين للمزايا التفضيلية التي يتمتع بها البلد، فبذلك ستكتمل الأدوات اللازمة لتنفيذ استراتيجية التنمية الحالية وخطة النهوض الاقتصادي المعتمدة من طرف السلطات العليا للبلاد.
التحديات الرئيسية
الثروة الاستخراجية والتصنيع:
يتمحور الانتاج الاستخراجي أساساً حول:
– مناجم الحديد في الكدية والقلابة والمهودة في شمال البلاد والمستغلة من طرف الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم)؛
– منجم الذهب في تازيازت شمال البلاد والمستغل من طرف كينروس الكندية؛
– منجم النحاس في قلب ام أقرين قرب انشيري شمال البلاد والمستغل من طرف شركة فست كوانتوم الكندية – الأسترالية والذي وصل الى مرحلة الاغلاق نظراً الى نفاذ الخامات القابلة للمعالجة بمصنعها الحالي.
يضاف الى ذلك مشروع استغلال الكميات الكبيرة من احتياطي الغاز الطبيعي المكتشفة مؤخراً في المياه الإقليمية على الحدود مع السنغال جنوباً، والتي يعمل ائتلاف شركات تقوده بريتيش بتروليوم على البدء في انتاجه (كان متوقعاً في 2022 ، لكن جائحة كوفيد 19 أخّرته الى 2023).
يضاف الى ذلك مشاريع واستكشافات للفوسفات واليورانيوم والتربة النادرة وغيرها من المعادن لم تصل الى مرحلة البدء في تنفيذ مشاريع خاصة بها.
لم ينجح قانون الاستثمار ولا قانون التعدين في تحسين جاذبية هذا القطاع، فمثلاً لم تتمكن الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) من تعدي عتبة 13 مليون طن من خام الحديد سنوياً ومن تحسين كلفتها الإنتاجية، كما يعدّ النسيج الصناعي ضعيفاً جداً، لذلك بات من الضروري توجيه جهد أكبر نحو زيادة صادرات الحديد وتنويع القطاع وبلورة سياسات وخطط تهدف الى ترقية الصناعات التحويلية واستفادة البلاد من الريع الاستخراجي لتنويع القاعدة الاقتصادية وخلق فرص لتشغيل الشباب وتحفيز الابتكار ومكافحة الفقر.
مناخ الاستثمار
يحتل القطاع الخاص مكانة هامشية في الحياة الاقتصادية للبلاد، لذلك يتوجب بلورة رؤية لتطوير استراتيجيات وسياسات لتعزيز المبادرة الخاصة وخلق المحفزات التي تتيح للمستثمرين الحيز المناسب للثقة في البلد والمساهمة في خلق فرص نمو اقتصادي تساعد في التغلب على التحديات كالتشغيل والبطالة ومكافحة الفقر.
وفي هذا المجال، يعدّ إنشاء مجلس استثمار عالٍ في العام 2020 برئاسة رئيس الدولة وإنشاء وكالة لترويج الاستثمار في العام 2021 من التدابير الواعدة، شريطة أن تكون جزءاً من ديناميكية اصلاح لتحسين جاذبية البلد وترتيبه في المقام الأول، إذ لا تزال موريتانيا تحتل المرتبة 152 من بين 190 دولة في مناخ الأعمال الذي يعدّه البنك الدولي.
المديونية
أصبح العبء الذي يمثله الدين العام للبلاد لا يطاق (نحو 80 في المئة من الناتج الداخلي الخام)، وقد كلفت هذه الظاهرة غير القابلة للحل على مدى عقود البلاد نزيفاً سنوياً قوياً للعملة الأجنبية، مما أضعف أي جهد لتعبئة الموارد الداخلية لتمويل مشاريع الاستثمارات العمومية، ويُظهر آخر تحليل للقدرة على تحمل الديون وجود مخاطر عالية لضائقة الديون الخارجية.
وقد استعانت الحكومة مؤخراً بخدمات مكتب دولي لتدقيق رصيد الديون واقتراح حلول لتحسين استخدام الديون بالتشاور مع المانحين.
الصيد والزراعة والثروة الحيوانية
لا يزال واقع الزراعة والصيد في موريتانيا لغزاً يصعب معه فهم سياق تطور هذا القطاع منذ الاستقلال حتى اليوم وذلك على الرغم من حشد الموارد المالية العامة الهائلة.
في هذه الحالة، فإن أي جهد يهدف إلى كسر الحلقة المفرغة التي تطور فيها هذا القطاع دائماً ينطوي حتماً على اقتراح حلول مبتكرة تستند إلى رؤية استراتيجية، وتحديث أدوات الإنتاج، وتأمين خطوط التمويل والاستثمار،وتدريب الموارد البشرية.
فمن المفارقات، مع تواجد 700 كيلومتر من الخط الساحلي الغني بالأسماك، و500 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، وموارد المياه المتوفرة في نهر السنغال، وأكثر من 20 مليون رأس من الماشية (الجمال والأبقار والأغنام)، لا تزال موريتانيا غير قادرة على تلبية حاجياتها الغذائية.
المؤسسات العمومية
يوجد في موريتانيا أكثر من 180 مؤسسة عمومية يعمل العديد منها في القطاعات الإنتاجية أو الخدمية. تعتبر الحوكمة تحدياً كبيراً داخل هذه الكيانات، لذا يترتب القيام بتدقيق لمحفظة الدولة في هذه المؤسسات واعتماد خطة اصلاح، لإبعاد المخاطر التي قد تنجم عن هذه الوضعية على المالية العامة.
القطاع المصرفي
توجد في موريتانيا 19 مؤسسة مصرفية لسكان يقدر عددهم بـ 4.6 ملايين نسمة وبنسبة شمول مالي منخفضة (17 في المئة).هيكلة البنوك الحالية في موريتانيا تجعل من الصعب الحصول على التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة وتزيد من صعوبة إشراف البنك المركزي على أعمال هذه البنوك لذلك، لا بدّ من اعتماد مقاربة للرفع من السيولة المصرفية ومعالجة مستوى الرسملة المنخفض.
الخلاصة
موريتانيا بلد واعد وتتوفر فيه ثروات هائلة وفرص متنوعة. وقد باشر القائمون عليه، منذ تولي الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني زمام الأمور، على القيام بالإصلاحات المناسبة ورسم السياسات المطلوبة لتشجيع المستثمرين على التوجه اليه ورفع التحديات المبينة أعلاه والنهوض به من الاعتماد على الريع الاستخراجي الى اقتصاد متنوع وصلب. وفي مقدمة تلك الخطوات، توجد خطة النهوض الاقتصادي المعتمدة من طرف السلطات العليا للبلاد مؤخراً.
* خبير اقتصادي دولي، وزير سابق