منذ الإستقلال إلى أيامنا هذه، لم يعرف بلدنا أكثر من قيادة مدنية واحدة، كان لها الفضل في تأسيس الدولة و حماية استقلالها و إنجاز العديد من المنشآت الإقتصادية التي شملت كافة المجالات التنموية. و من أبرز هذه الإنجازات إنشاء العملة الوطنية و تأميم شركة MIFERMA التي أصبحت الشركة الوطنية للصناعة و المناجم في صباح الثامن و العشرين من نوفمبر 1974.
رغم هذه الإنجازات الضخمة التي سجلها التاريخ بأحرف من ذهب و التي تشكل بالنسبة إلينا مصدر فخر و اعتزاز، لم تستطع القيادة أنذاك النأي بنفسها عن الصراعات الإقليمية و زجت بالبلد في حرب ظالمة أحرقت الحرث و النسل و أوصلتنا إلى حافة الهاوية بحيث باتت مدننا الداخلية و عاصمتنا السياسية هدفا سهلا لنيران العدو.
نتيجة لهذه الظروف المأساوية جاء انقلاب العاشر من يوليو 1978 لإنقاذ ما تبقى من الدولة و تصحيح الأوضاع السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية الصعبة التي خلفتها الحرب.
كان هذا التصحيح منتظرا و مقبولا شعبيا لأنه يحمل في طياته السلام و يضع حدا لحرب الإخوة التي سببت من الآلام النفسية و المعنوية ما يفوق حجم الخراب المادي الذي نجم عنها.
منذ ذلك الحين أصبح حكم العسكر، في ذهن المواطن البسيط الذي لم يعد يثق بالقيادات المدنية، رمزا للسلام و الأمان و النماء.
عندما تشكلت أحزاب المعارضة في أوائل التسعينات لم تستطع تحقيق أي هدف لأن أحزاب الدولة كانت هي الأقوى و كان النصر حليفها في كل الإنتخابات الرئاسية و البلدية و النيابية التي أجريت على التراب الوطني.
بحكم هذا الإختلال في موازين القوة، ظلت المعارضة بجميع أطيافها تنتقل من فشل إلى فشل حتى جاء الحكم الحالي الذي كشف عن إرادة صادقة في لم الشمل و تسوية الخلافات و إفساح المجال كي يساهم كل الفرقاء السياسيين، معارضة و موالاة، في بناء الوطن الحبيب و الإرتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة.
رأى زعماء المعارضة في أزمة المرجعية و إرادة تلطيف الأجواء التي بادر بها رئيس الجمهورية فرصة لا تعوض لضرب عصفورين بحجر واحد، فوحدوا مطالبهم و على رأسها مقاضاة الرئيس الأسبق. رغم معرفتهم لعدم دستورية المحاكمة المنشودة، حكموا منطق " الغاية تبرر الوسيلة " و واصلوا ضغطهم مدعومين من قبل شخصيات سياسية أخرى تسعى إلى تحقيق نفس الهدف.
إن خلع الحصانة الدستورية عن الرئيس الأسبق و محاكمته تستجيب للنزعة الإنتقامية لدى أعضاء مجلس شيوخ أصبح من خبر كان و رؤساء أحزاب معارضة عانوا الأمرين طيلة فترة حكم محمد ولد عبد العزيز : الإقصاء و الإذلال.
هذا من جهة، و من جهة أخرى تمهد هذه المحاكمة الطريق لمقاضاة أي رئيس مستقبلي للبلاد بتهمة الفساد و تمنح الأطراف المدنية قوة قانونية مجانية ستكون بمثابة سيف مسلط على رقبة كل قائد يرفض الضغوط و الإبتزاز. حفظ الله بلادنا و قياداتنا من شرور الحاقدين و مكر الماكرين.
المفتش: محمد يحظيه ولد الطاهر