ترتبط أمم الأرض وشعوبها بعلاقات حميمية مع أيام السنة وشهورها، وقد يكون الأكثر ارتباطا بهذه التواريخ هم الذين ذاقوا الويلات والنكبات والمصائب، فكما يقال أيام الفرح والسعادة تمضي سريعا، ولا ذكرى لها، لأنها التي ينبغي أن تكون، وتبقى في الذاكرة أوقات الشدة والأزمة والبأس.
وكانت فلسطين قد ضاعت إلى أجل مسمى في شهر ماي الذي نعد أيامه، وفي نفس الشهر من تلك السنوات الدموية وقعت المأساة الكبرى في شرق البلاد، يوم غدر المستعمر وحنث بوعوده، فتحررت باريس من سطوة حذاء الرايخ الثالث الهتلري، لكي يهدر الدم الجزائري في الجزائر، وكأن فرحة النصر هناك، لم تكن لتكتمل إلا بقتلنا هنا.
وتلك وقائع قد تصبح جامدة ومملة، من كثرة تردادها، فهي بحاجة لقالب متجدد من القراءة والتفكر.
وإذن كيف نقرأ التاريخ الذي هو تاريخنا، حتى نكون نحن من يكتبه، فمن يكتب الوقائع هو الذي يصنعها ويمكنه الإفادة منها لاحقا؟.
الصهاينة رغم زيفهم، ما زالوا حتى الساعة يلاحقون رموز العهد الهتلري، بذريعة الهولوكست المزعوم الذي لم تدعمه حقيقة واحدة، ولكنهم كتبوا تاريخا وفرضوه ولو "بلطجة" لكي ترزح أوروبا بعده تحت وطأة عذاب الضمير، هذا إن كان لهم أي ضمير، غير ما يخصهم ويعنيهم.
على الأقل لو تحلت فرنسا بالضمير لأغنتنا عن إدانتها.
ونحن الذين نمتلك كل حقائق الجغرافيا والتاريخ وعلى الاجتماع، لم نتمكن من ملاحقة جنرال فرنسي واحد، تربع ذات يوم على دمنا، إذ يكفي فرنسا أنها استعمرتنا لكي ندينها ونحاكمها، وليس المطلوب هنا أن نسير ونتبع خطى عدونا التاريخي والحضاري، لكن هي ضرورة القراءة الصحيحة للتاريخ وإعادة إنتاجه، ليس كالذين أرادوا مدح الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فذموه، عندما قالوا كانت له جارة في المدينة يتضور أبناؤها جوعا، وهي تغلي لهم الحجارة فوق النار.. والقصة معروفة، والسؤال غير المعروف، وكيف يكون بعض أتباع ابن الخطاب جوعى في مدينة رسول الله وهو الذي كان يخشى أن تتعثر شاة في العراق؟.
لو أجدنا تأليف القصص التاريخية، لما كتبنا مثل هذه الحكاية، وللمناسبة، لنا أعداء يكرهون فصل الربيع، جميعهم يكرهونه.
حتى لا نظلم مرتين
للعاقل أن يسأل ويبحث وقبل كل ذلك أن يفكر ويحلل، هل من علاقة لإسرائيل بالنزاع السني والشيعي، كما سماه صاحبنا، وهو كما نعلم جميعا عمره أكبر بكثير من عمر أمريكا نفسها؟.
الصهاينة قد يسرهم إثارة النعرات القومية، بين العرب والكرد مثلا، أو بين العرب والفرس، وبين الفرس والترك..أما إثارة النعرات المذهبية فتلك ليست من أعمال الصهاينة، ليس حبا بنا وإنما خشية على أنفسهم منها، فهم لا يحتملون مثل هذه الفوضى التي ستطيح بهم وتضعهم كهدف أول على رأس قائمة المطلوبين.
أقول ذلك رغم إصرار الصهاينة على ضرورة اعترافنا بيهودية دولتهم، وتقف معهم أوروبا العلمانية وأمريكا في "شرعية" طلبهم هذا، ولست أدري كيف أمكنهم تحقيق الانسجام بين علمانيتهم وطلبهم اليهودي هذا، ثم يحرمون علينا الحديث في الإسلام وكأن ما لديهم أفضل وأكمل مما عندنا.
ذلك منطقهم الأجوف يوم تكون لهم حرية فرض الدين على بعض الناس وتحريم الحديث فيه على معظمهم.
وقد علمنا أن رسول الإسلام حذر من شر الوقوع في الفرقة وما يؤدي إليها وما ينتج عنها، فأبينا إلا الفرقة، ونحن نعلم ونعرف ما بها من وبال وسوء حال، وندرك أن فيها مقتلنا وبؤسنا، فسعينا للفرقة سعيا وركضنا لها ركضا، ولم يكن الغرب يومها إلا إقطاعيات متحاربة متناقضة دموية، تشيع فيها الهمجية أكثر من المدنية والتحضر.
وأخيرا، لا بد من السؤال والتساؤل، حول طبيعتنا وماهيتنا نحن، فأين المسلمين الذين نجحت إسرائيل في ضرب بعضهم ببعض، بل إن السؤال الجوهري هنا، يتعلق باسم المسلم نفسه، فهل يكون المسلم تابعا أو متبوعا، وهل يكون قدوة أو إمعة، ثم هل من الإنصاف أن يكون المسلم جاهلا ومريضا وظالما، ومتآمرا وعميلا؟ تلك صفات تتناقض مع الإسلام قلبا وقالبا، وبالتالي ليس بمسلم من تكون فيه تلك الصفات.
ثم ألم يكن الحراك العربي الداخلي دوما بين سنة وسنة وشيعة وشيعة؟ ألم ينقلب الخميني الشيعي على الشاه الشيعي، وألم ينقلب عبد الناصر السني على الملك فاروق السني؟.
إذن فالقراءة لا تكون كما أرادها صاحبنا، وإنما للحدث أوجه قراءة أخرى تبدأ حقا من أعماق تاريخنا، ثم تنطلق تصاعدا حتى ندرك ونفهم ونعي سبب ما كان وما قد يكون.
عليك ان تعيد قراءتك جيدا يا صديقي
وأخيرا عن أي أمة نتحدث، بل أين هي هذه الأمة؟ هل كففنا عن كوننا مجموعة قبائل وشعوب وأمم متفرقة ومختلفة ومتخلفة، تقتتل وتتقاتل على جغرافيا الكرسي، منذ كان الغرب يأكل اللحم النيء؟.
الكاتب الصحفي والشاعر/ احمد يحياوي