مرتدية زيها الأزرق وممسكة بمِقَشّتها (مِكْنَسة) تجوب السيدة الخمسينية يوميا شوارع مدينة السادس من أكتوبر (غرب العاصمة) حيث تعمل عاملة نظافة في إحدى شركات النظافة الخاصة.
وبالرغم من ضآلة مرتبها الشهري الذي لا يتجاوز ثمانمئة جنيه (45 دولارا) فإنها لجأت للعمل في شركة النظافة بعد أن أصبح زوجها طريح الفراش وباتت العائل الوحيد لأسرتها (ولد وثلاث فتيات).
وتقول أم يوسف (كما تحب أن تلقب) في حديثها للجزيرة نت "لم أجد أمامي فرصة عمل غيرها.. فأنا أقرأ ولا أكتب ولا أملك أي مؤهلات للعمل في أي مجال آخر أو يدر علي عائدا أكبر" مضيفة "مش أحسن (أفضل) من قعدة البيت، أو أمد يدي (تتسول)".
وعلى ما يبدو أن مساعي المرأة الخمسينية للخروج من دائرة العوز والبطالة لن تفلح، حيث إن حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له، وفق ما أعلنت مجموعة البنك الدولي مطلع الشهر الجاري.
ويصل عدد سكان مصر في الداخل -وفق ما أعلن منتصف أبريل/نيسان الماضي- 98.520 مليون نسمة، ويحدد البنك الدولي نسبة انتشار الفقر المدقع على مستوى العالم باستخدام مؤشر خط الفقر الدولي، وهو 1.9 دولار للفرد في اليوم.
وبحسب البنك الدولي فإنه هناك تباينات جغرافية مذهلة في معدلات الفقر، إذ تتراوح بين 7% في محافظة بورسعيد (شمال) و66% في بعض محافظات الصعيد (جنوب) موضحا أن الإصلاحات الاقتصادية -شرعت مصر فيها قبل ثلاث سنوات- أثرت على الطبقة الوسطى، وأضحت تواجه ارتفاعا في تكاليف المعيشة. الأرقام التي أعلنها البنك قوبلت بالتشكيك من اللواء خيرت بركات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي).
وقال المسؤول المصري في تصريحات صحفية إن الأرقام التي أعلنها البنك الدولي غير دقيقة، موضحا أن الدولة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك البيانات الدقيقة حول ظروف المعيشية ومستوى الدخول في مصر، دون غيرها من المؤسسات الأخرى.
وعلى الرغم من أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يجري بحوث الإنفاق والدخل مرة كل عامين، فإن آخر رقم معلن كان في يوليو/تموز 2016 ووصلت نسبة الفقر إلى 27.8% من السكان.
أغلب المصريين يعجزون عن توفير قوتهم اليومي (الجزيرة)
مخاوف رسمية
وتخشى السلطات من إعلان المؤشرات النهائية لبحوث الإنفاق والدخل رغم الانتهاء منها منذ شهرين، بسبب اعتراض جهات سيادية على النتائج التي تكشف ارتفاع نسبة الفقر، بدعوى أنها تتعارض مع "الإنجازات التى قامت بها الدولة خلال العامين الماضيين" وذلك وفق ما كشفته صحيفة البورصة الاقتصادية (محلية).
وبعيدا عن التشكيك الرسمي لتلك الأرقام، يرى د. أحمد ذكر الله أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر وخبير دراسات الجدوى أن هذا الرقم يمثل خطورة كبيرة على المجتمع المصري، وأخلاقياته وتماسكه.
وقال في حديثه للجزيرة نت "من المعروف أن تقدير خط الفقر كان للدلالة على الدخل الذي يكفي الإنسان للحصول على مقدار من السعرات الحرارية يحافظ على كفاءة أجهزة جسمه وأعضائه الحيوية".
ويضيف "بذلك فإن ستين مليون مصري الآن -وطبقا لتقدير البنك الدولي- ليس لديهم من الدخل ما يكفي للحصول على غذاء يحفظ أجسامهم بكفاءة وحيوية وهم عرضة لأمراض نقص الغذاء، وعلى رأسها مرض التقزم الناتج عن سوء التغذية ".
ووفق منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) فإن مصر تعاني من مشكلة مزمنة في سوء التغذية لدى الأطفال دون الخامسة، مما أصاب 30% من الأطفال بمرض التقزم.
وعلى الجانب المعاكس، رأت د. يمنى الحماقي رئيس قسم الاقتصاد بكلية تجارة جامعة عين شمس أن معدلات الفقر في مصر ليست مقلقة.
وأوضحت د. الحماقي في تصريحات صحفية أن البلاد ستشهد استقرارا كبيرا وتراجعا في معدلات الفقر عقب الانتهاء من برنامج الإصلاح وانطلاق عملية جني الثمار.
تقرير البنك الدولي أشار إلى أن حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له (الأوروبية)
خطط حكومية
وتستهدف مصر تخفيض نسبة الفقر بجميع أبعاده إلى النصف بحلول عام 2020، والقضاء عليه نهائيا بحلول عام 2030، وفق ما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولكي يعالج الاقتصاد الفقر، يرى الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله أنه لابد أن تتحول مصر لدولة إنتاجية تصديرية حتى تستطيع المنافسة في الأسواق الدولية.
وخلال يناير كانون الثاني الماضي، بلغت قيمة واردات مصر 5.12 مليارات دولار، ويشير هذا الرقم إلى أن هناك انخفاضا في قيمة الواردات بنسبة 20%، لكن هذا الانخفاض لم يشمل السلع الأساسية والمواد الخام التي تعمد مصر عليها.
ويعد القمح والأرز والحديد والصلب والأجهزة الإلكترونية بكافة أنواعها أحد أهم السلعة الأساسية التي تستوردها مصر من الخارج.
ويتطلب ذلك -وفق ما أوضح ذكر الله- أن تعمل الحكومة على إعادة تشغيل المصانع المتعثرة التي يصل عددها لخمسمئة تقريبا، والتوقف عن إهدار أموال الدولة والأموال المقترحة فيما يسمى المشروعات القومية غير ذات الجدوى الاقتصادية.
أما الحل الثالث فهو زيادة البرامج الاجتماعية التي تعالج الآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لدعم الفقراء ومساندة محدودي الدخل، بحسب ما بين الخبير الاقتصادي.
وأطلقت مصر خلال الآونة الأخيرة ثلاثة برامج للقضاء على الفقر، وكان آخرها المبادرة الوطنية لتوفير حياة كريمة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا تحت مسمى "حياة كريمة" بتكلفة ملياري جنيه (117.4 مليون دولار).
المصدر : الجزيرة