أكاديمية كيس الأرز

سبت, 20/12/2025 - 16:43

 

في النصف الثاني من الثمانيات كنت شابا مراهقا أو بالأصح طائشا.

بصراحة لا استطيع وصف احوالي في ذلك الوقت ، ليس عجزا عن التعبير ولكن  خجلا من تذكر ذلك المتهور .

تعرفت في فترة قصيرة على كل رواد الطيش في البلد و أصبحت علما من اعلامهم  في العاصمة.

كانت رياضتي  المفضلة  الأثيرة اهمال نصائح الأهل و الأحبة .

ما انقذني من نفسي اغرب مما يتصور الجميع.
انه كيس من الأرز.

كان في المحل المجاور لبيتنا كيس من الأرز يستند على صناديق علب الحليب وكنت أجد فيه ملاذا من جو البيت المزدحم والمكفهر.

في ذلك المكان  تخيلت نفسي و انا رديف غيلان ذي الرمة على "صيدح" نسابق الريح  ، في ذلك المكان حبست دموع الحزن وانا استمع لمرثية مالك بن الريب لنفسه وضحكت الى حد الجنون من هجائية  ولد أبنو ولد أحميدة للتاجر الشامي  واستغرقت في التفكير لفهم مغاليق "العاقرات " والغازها  وحفظت اول قصيدة طويلة في حياتي : يا معشر البلغاء  ......

على ذلك الكيس اكتشفت اعظم روائع الادب العربي نثرا وشعرا ونهلت من معين لا ينضب .

كان كل العاملين في البقالة فتيان بما تحمل كلمات الفتوة  من معاني نبيلة، اما عميد الاكاديمية الذي كنت احرص على انتظاره كل يوم فكان عجوزا في اسمال رثة  يحمل على رأسه بعضا  من النعناع والزبادي ، يمر لدقائق قليلة ليبيع بضاعته ويحسم بعض الخلافات في شرح بيت أو سيرة شاعر أو تبيان معاني كلمة غامضة.

بكل صدق درست قبل أكاديمية كيس الأرز و بعدها في الكثير من المدارس الجيدة وتربيت على يد والد يعشق التاريخ و الفكر الإسلامي والفلسفة ولكن الحقيقة أن ميولي للشعر و الأدب لم تتفتح الا على ذلك الكيس.

تحية للذين اكتشفت  ان اجدادهم أصحاب أول بيت من الشعر علمني إياه أبي أيام كنا في الخارج لأواجه كل من ينكر عروبة بلدي:

إنا بني حسن دلت فصاحتنا........انا الى العرب الاقحاح نتسب 
ان لم تقم بينات اننا عرب.........ففي اللسان بيان اننا عرب 

تحية للفتيان الحسنيين الشرفاء الذين فاقوا في معرفتهم حملة  أكبر الشهادات وحرموا من فرص العمل في القطاع الحكومي بسبب سيطرة لغة المستعمر على مفاصل الدولة ،و لم يبق أمامهم سوى مكابدة شظف الحياة في وطن  لا يحترم العلم و لا المعرفة.

نشر 2013 في موقع تقدمي
عبدالرحمن ودادي