اتهم عمار سعداني، الأمين العام الأسبق لحزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم في الجزائر، ما أسماها بـ"الدولة العميقة"، بالسعي لـ"ركوب" موجة الحراك الشعبي، و"ضرب" مؤسسات محلية حيوية.
و"الدولة العميقة" مصطلح عادة ما يستخدم للإشارة إلى أذرع سياسية وأمنية وإعلامية، تتبع مدير جهاز الاستخبارات السابق، الفريق محمد مدين، الذي أقيل من منصبه في 15 سبتمبر/أيلول 2015، بعد 25 عاما على رأس الجهاز.
وتوارى سعداني عن الأنظار بشكل نهائي، وذلك منذ استقالته من على رأس الأمانة العامة للحزب الحاكم في 2016، ليعود للظهور عبر مقابلة أجراها مع موقع "كل شيء عن الجزائر" الخاص.
وتعيش الجزائر مظاهرات شعبية سلمية، منذ 22 فبراير/شباط الماضي، وصفت بأنها الأكبر في تاريخ البلاد، للمطالبة بمغادرة بوتفليقة الحكم مع نهاية ولايته الرابعة ورحيل كل رموز نظامه.
وفي مقابلته، التي تم بثها الأحد، اعتبر السعدني أن ما دفع بغالبية المواطنين للمطالبة بتغيير النظام "هو رفضهم للفراغ الحاصل في الرئاسة، ولأن تكون الجزائر بدون قيادة"، مضيفا أنه "معروف، ما عدا القيادة العسكرية فالباقي غير موجود".
وحذر من "مجموعة" قال إنها "مندسة داخل الحراك، ولديها مطالب معينة، تريد أن تضرب المؤسسات، وهذه وراءها الدولة العميقة".
وحسب سعداني الذي سبق له أن تولى رئاسة البرلمان (2002- 2007)، فإن "الدولة العميقة، تستهدف من وراء الحراك الشعبي ضرب ثلاث مؤسسات، هي رئاسة الجمهورية، وزارة الدفاع، وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم".
ودعا المسؤول الحزبي السابق الحراك إلى "التمسّك بمطالبه المتمثله في استقلالية القضاء، وإشرافه على الانتخابات المقبلة"، مطالبا إياه بـ"عدم الانخداع بما تخطط له الدولة العميقة".
** "هؤلاء من رشحوا بوتفليقة"
سعداني رأى أيضا "أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كان صادقا في رسالة 11 مارس/آذار الجاري، عندما قال إنه لم يكن ينوي الترشح لعهدة خامسة، لأنه فعلا لم يكن يرغب في الإقدام على ذلك بسبب المرض".
ومرة أخرى، اتهم "الدولة العميقة بترشيح بوتفليقة حتى تبقى الدولة تسير من ورائه".
وركز سعداني هجماته بشكل خاص على رئيس الوزراء المستقيل، أحمد أويحيى، الذي يعتبره "رمز المجموعة في تسيير شؤون الدولة من مقر الحكومة وديوان رئاسة الجمهورية الذي شغله سابقا".
وقال بهذا الخصوص: "الرئيس قال لم أكن أنوي الترشح، أُكمل عهدتي وأُغادر، فلماذا هذه المطالب له وهو مريض؟، يريدونه الخروج مهزوما، أي عاقل يريد أن يخرج شيخ عمره 82 عاما مهزوما مريضا وعلى كرسي؟ والقضية كلها شهر، وبعد الشهر الرئيس لا يعيد الترشح"، في اشارة إلى انتهاء ولاية بوتفليقة الدستورية في 28 أبريل/ نيسان القادم.
وطالب سعداني الجزائريين بـ"ضمان نهاية سياسية مشرفة للرئيس بوتفليقة"، قائلا: "اتركوه يكمل شهره، أُتركوه يدشن مسجدا (الجامع الأعظم) كان يحلم بتدشينه، ويقف فيه ولو لحظة على كرسيه.. هو مجاهد وشيخ كبير ومريض".
** "الجيش يرفض السيناريو المصري"
وواصل الأمين العام الأسبق للحزب الحاكم مهاجمته لـ"الدولة العميقة"، متّهما إياها بـ"التخطيط لمؤامرة كبرى مع جهات خارجية، لضرب مركز المؤسسة العسكرية المتمثلة في قيادة الأركان".
وقال سعداني: "يريدون الرجوع إلى قيادة الأركان لأنهم عن طريقها قاموا بكل ما فعلوه منذ 1992 وبدونها إنهاروا"، في إشارة إلى الازمة الأمنية التي شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي.
كما أشار إلى "سيطرة مجموعة من الجنرالات (بالجيش) على مقاليد الحكم، بعد استقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد مطلع عام 1992، وإلى غاية قدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 1999"، في إشارة إلى الجنرال محمد مدين.
ولفت إلى أن "هذه المجموعة المندسة وسط الحراك، هاجمت نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، في أول خطابه له عن الحراك، وحاولت تفسير كلامه على أنه ضد الشعب".
وكان الفريق قايد صالح، قد تحدث في أول بيان له عقب مسيرة احتجاجية انتظمت في 22 فبراير/ شباط الماضي، عن "المغرر بهم"، قبل أن تقوم وزارة الدفاع بسحب هذه العبارة التي أحدثت جدلا واسعا من الخطاب.
وبالنسبة لـ"سعداني"، فإن "الجيش فعل الصواب" بعدم تدخله لعزل بوتفليقة، معتبرا أن "الانقلاب مفتاح التدخل الأجنبي، والمؤسسة العسكرية تفطنت لهذه الخديعة".
كما رأى أن "الفريق قايد صالح رفض "فتح باب جهنم، لأنه كان بمقدوره إزاحة الرئيس في 5 دقائق، وانظروا إلى ما تعانيه مصر إلى اليوم بعد تدخل المؤسسة العسكرية"، في إشارة ضمنية إلى انقلاب الجيش على محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطي بالبلد الأخير.
** 3 شخصيات لخلافة بوتفليقة
بالمقابلة نفسها، اقترح سعداني ثلاثة أسماء قال إنه بإمكانها خلافة بوتفليقة في قيادة الدولة، وهي؛ الأمين العام الأسبق للحزب الحاكم عبد العزيز بلخادم، والوزير الأول الأسبق عبد المجيد تبون، ورئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش.
ومن ضمن الثلاثة، فضل سعداني مولود حمروش، معتبرا أنه "يتوفر على صفات الخبرة في تقلد المسؤوليات، إضافة إلى كونه مجاهد (ضد الاستعمار الفرنسي)".
ورأى أن المخرج من الأزمة يكون بـ"تولي القضاة الإشراف على الانتخابات الرئاسية المقبلة، بمساعدة المحامين، باعتبارهم جهة محمية ومحلفة".
وحتى الساعة (11.30 ت.غ)، لم يصدر أي تعقيب من الحزب الحاكم بالجزائر أو من الشخصيات التي ذكرها سعداني بالمقابلة.
وتولى سعداني الأمانة العامة لحزب "جبهة التحرير الوطني"، في 25 أغسطس/ آب 2013، إلى غاية 22 أكتوبر/ تشرين أول 2016.
ولم يتوقف سعداني طيلة هذه الفترة، عن مهاجمة القائد السابق لجهاز المخابرات الفريق محمد مدين، محملا إياه، في سلسلة تصريحات إعلامية، مسؤوليه المشاكل السياسية والأمنية التي عرفتها البلاد.