شعر كثير من الجزائريين بعدم الرضا بعد الإعلان عن ترشح الرئيس بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، في الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في أبريل/نيسان المقبل، على الرغم من عدم قدرته على تقديم أوراق ترشحه بنفسه يوم الأحد الماضي.
وسادت حالة من الغضب الشارع الجزائري بسبب ترشح بوتفليقة لفترة خامسة، إذ خرج طلاب ومعلمون ومحامون وصحفيون في مظاهرات احتجاجية معبرين عن عدم قبولهم للوضع السياسي الحالي الذي يقوده، وفقا لتقديراتهم، حاكم افتراضي لا وجود له على أرض الواقع.
ويشعر كثيرون بالقلق من أن عدم القدرة على تسمية خليفة لبوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ عام 1999، قد يؤدي إلى حقبة من عدم الاستقرار في حال موت بوتفليقة خلال حكمه.
زعيم "صوري"
يعود آخر خطاب جماهيري معروف لبوتفليقة إلى عام 2014، وكان ذلك هو خطاب الانتصار في الانتخابات الرئاسية الرابعة له عندما شكر الجزائريين على تجديد ثقتهم في قيادته للبلاد.
وذكر بوتفليقة أن لديه خططًا تصب في اتجاه "تعزيز الفصل بين السلطات، وتقوية دور المعارضة وضمان الحقوق والحريات".
وقد رأى البعض في هذا الخطاب علامة على تغيرات سياسية مستقبلية تضمن انتقالا سلسا للسلطة، لكنه لا يوجد دليل مادي على هذه التغيرات. ويشار إلى أن عدد مرات ظهور بوتفليقة منذ ذلك الخطاب قل بشكل كبير.
وقد يعتبر الجزائريون محظوظين لرؤية بوتفليقة مرات معدودة منذ ذلك الوقت على شاشات التلفاز لدى مقابلته لبعض المسؤولين الأجانب. أما في 2016، فقد ظهر بوتفليقة خلال افتتاح قاعة مؤتمرات جديدة وهو على كرسي متحرك، وكان يبدو واهنا ومتعبا.
لكن مرات ظهوره الإعلامي زادت منذ 2018 عندما أصبح واضحا أن حزبه سيدفع به منافسا في انتخابات 2019.
فقد ظهر في افتتاح مسجد أعيد ترميمه، ومحطتي مترو في الجزائر العاصمة. بعدها بأسابيع قليلة، أعدت له جولة تفقدية لأعمال الإنشاء في مسجد الجزائر الكبير، الذي تبلغ ميزانية إنشائه ملياري دولار، ويتوقع أن يكون ثالث أكبر مسجد في العالم.
انقسامات تتعمق "يوما بعد يوم"
مجددا وللمرة الخامسة، يرشح الرئيس - الذي انتُخب في 2014 بدون حملة ترويجية - نفسه دون وجود أي منافس قوي أمامه.
أدى حكم معمر القذافي إلى انتشار حالة من الارتياب العميق بسبب طبيعة النظام الذي لا يسمح سوى لفرد واحد بالتحكم في كل شيء
فلماذا لم يستطع التحالف الحاكم والمعارضة تقديم مرشحين آخرين لهذا المنصب؟
وفقا للواقع الجزائري، تواجه المعارضة الجزائرية انقسامات تاريخية حادة. كما أنه مع كبر سن الرئيس، دبت المشاحنات داخل النخبة الحاكمة، بما فيها الجيش الجزائري، مما أصاب عملية التغيير السياسي بالفشل العميق.
وتحكم جبهة التحرير الوطني الجزائر منذ حصول البلاد على استقلالها من فرنسا في عام 1962، بعد حرب السبع سنوات الدموية.
وتتركز "السلطة"، وفقا للتعبير الشعبي في الجزائر، في أوساط الحزب الحاكم، وبعض قيادات الجيش، ورجال الأعمال المرموقين.
هذه الطبقة السياسية تضم بعضا من قوى المعارضة التي شاركت في حكومات ائتلافية مع الجبهة الحاكمة، أو كانت تساند الخطاب الرسمي للدولة، مما جردها من مصداقيتها.
وتطال اتهامات بالفساد والمحسوبية بعض المنتمين للمعارضة.
ويرى الكاتب الجزائري المعروف كامل داوود في تصريحات لوسائل الإعلام الفرنسية حول الاحتجاجات في الجزائر، أن السلطة في البلاد يحتكرها كبار السن، الذين يحرمون الشباب منها.
ويرى داوود أن "السلطة" في الجزائر تظهر ازدراء للشباب من خلال تقديمها لمرشح "على حافة الموت"، في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه، بين من هم دون الثلاثين عاما، 30 في المئة.
ارتياب واسع
ويعد كل ذلك من إرث الحرب الأهلية الجزائرية الأخيرة التي جمدت محاولات الإصلاح في البلاد.
فهذا الصراع الدموي الذي انتهى في 2002 كانت له عواقب وخيمة على كل من شارك فيه، أو تطور وعيه خلال مراحله المختلفة، لدرجة أن بعض الجزائريين كانوا على استعداد للتخلي عن بعض حرياتهم مقابل الاستقرار.
متظاهرون جزائريون ينددون بترشح بوتفليقة الذي يستخدم كرسي متحرك
وقُتل خلال ذلك الصراع ما يقرب من 150 ألف جزائري، وبعضهم كان من بين "المختفين قسريا" على يد قوات الأمن الجزائرية.
ويُعتقد أن بعض المعارضين الليبراليين ساندوا السلطات الأمنية خلال الحرب الأهلية في التسعينيات ضد من كانوا يعرفون بالمتمردين الإسلاميين.
قاد ذلك إلى وجود حالة من الارتياب الكامل بين كل طبقات المجتمع تقريبا، وهو ما لم يترك أي فرصة لتسويات أو لحوار وطني حقيقي من أجل التغيير.
وتقول إحدى المدافعات عن حقوق الإنسان من تونس، والتي زارت الجزائر عدة مرات، إنها تواجه دائما حالة من "جنون الارتياب" داخل المجتمع الجزائري؛ لدرجة أن جماعات حقوقية محلية ترتاب في إمداد منظمات حقوقية بالمعلومات بسبب إحكام القبضة الأمنية على المجتمع الجزائري.
لكن الجزائر ليست استثناءا، فبلدان أخرى في شمال أفريقيا واجهت حكما فرديا طويلا أظهرت نتائج مشابهة.
ففي ليبيا التي حكمها معمر القذافي لمدة 42 عاما، كان الليبيون يشكّون في جيرانهم وأبنائهم وأصدقائهم. وعُزل القذافي في 2011، وهو نفس العام الذي أزيح فيه زين العابدين بن علي عن حكم تونس.
وقد حكم بن علي تونس عن طريق "انتصارات ساحقة" في انتخابات ديموقراطية شكلية، وتمكن خلال سنوات حكمة من إزاحة المعارضة، وإضعافها إلى أبعد المستويات.
وفي يوم الأحد الماضي، وجه بوتفليقة دعوة مفتوحة للحوار، كما وعد بإصلاح دستوري في حالة إعادة انتخابه، في إطار خارطة طريق نحو المستقبل.
لكن الجديد في هذا الصدد أنه وعد بأنه سيدعو لانتخابات مبكرة، ولن يترشح فيها مرة أخرى.
وعلى اعتبار أن هذه فرصة لضمان انتقال سلمي للسلطة، فإن ما يعوقه عن تحقيق ذلك هو حالته الصحية المتدهورة.
ويرى مراقبون إقليميون أن مشكلات الجزائر الحالية أكبر من أن يديرها رئيس مريض. إنه نظام يعتمد في وجوده على دعم ومساندة الكثيرين من الجزائريين.