يطرح اسم الكنيسة كجزء من السجال الانتخابي الحالي بجمهورية الكونغو الديمقراطية تساؤلات بارزة حول الأدوار السياسية للكنيسة في المشهد السياسي بعد أن كانت فاعلا رئيسيا في سير الانتخابات الرئاسية الأخيرة، و في السياق السياسي المحتقن الذي سبق تنظيم هذه الانتخابات ، التي أفرزت فوز المعارض آتين تشيكسدي، متقدما على خصمه الرئيسي المعارض مارتين فايولو، فقد شكك المؤتمر الكنسي(تجمع يضم أهم الكنائس الكاثوليكية بالبلاد) في النتائج التي أعلنتها اللجنة المستقلة للانتخابات و طالب في بيان نشره اللجنة بنشر النتائج الصحيحة، مشيرا أنه يمتلك النتائج الحقيقة التي جمعها عن طريق مراقبي المؤتمر الكنسي الذين غطوا غالبية مكاتب التصويت.
الكنسية و مساعي المأمورية الثالثة لكابيلا
كانت الكنسية المكون الأكثر حضورا في المشهد الإعلامي و السياسي بالكونغو الديمقراطية من خلال تزعمها للحراك الاحتجاجي للمطالبة باحترام رئيس البلاد جوزيف كابيلا فترته الأخيرة بالسلطة و عدم اللجوء لتغيير دستور البلاد.
و بدأ صراعها مع الرئيس كابيلا مبكرا عندما بدأ الرجل يلمح لتعديل الدستور من اجل البقاء في السلطة، فانخرطت الكنيسة في معسكر معارضة كابيلا رافضة بقاء الرجل في السلطة. فقد تحولت مواعظ القساوسة أثناء الأزمة الأخيرة إلي سجالات و خطب سياسية لإضعاف حجج النظام و سحب غطاء الشرعية عن مساعي البقاء في السلطة. و أطلقت الكنسية الكاثوليكية حملة تعبة للتظاهر في جميع الأديرة بالبلاد لإجبار كابيلا على التراجع عن طموح البقاء في السلطة.
ثم تحولت إستراتيجية الكنيسة لاحقا بعد رضوخ رئيس البلاد لمطالب الشارع إلي إستراتيجية جديدة تتعلق بالسهر على تنظيم الانتخابات في ظروف مرضية و توافقية.
فقد قامت بعثة من المؤتمر الكنسي الكونغولي بجولة أوروبية من اجل دعم المسار الانتخابي بما يضمن تنظيم الإنتخابات الرئاسيات في ظروف سلمية و شفافة و توافقية، و بعثت الكنيسة برسالة إلي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتارس دعت فيها الأمم المتحدة لمواكبة المسار الانتخابي بالبلاد، و طالبت بتوفير المزيد من الوسائل لبعثة الأمم المتحدة بكونغو من اجل تمكينها من توفير الحماية للمدنيين قبيل و بعيد تنظيم الانتخابات.
و أثناء تنظيم الانتخابات قامت الكنسية بنشر 40 ألف مراقب في عملية تعتبر هي الأكبر في تاريخ مواكبة الكنائس للمسارات الانتخابية في العالم، و أنشأت قاعدة بيانات لتجميع النتائج أولا بأول.
و تتمتع الكنيسة الكاثوليكية بتأثير كبير في الكونغو الديمقراطية ، فهي تؤطر حوالي نصف سكان البلد، الذي تقارب ساكنته حوالي 80 مليون نسمة، الأمر الذي جعلها تكسب رهان الشارع و تجبر كابيلا على عدم الترشح لمأمورية جديدة.
تاريخ من العلاقة مع السياسية
مظاهر علاقة الكنيسة بالسياسة في الكونغو الديمقراطية جلية و متعددة، رغم أن دستور البلاد ينص على مبدأ العلمانية التي تُحيد دور الدين و رجاله في السياسية و شؤون الحكم.
و ظهر التوظيف السياسي للكنسية منذ الحقبة الاستعمارية البلجيكية حيث تم تطويع الكنسية كأداة خادمة للمستعمر الأبيض و ماكنة تسهيل لمهامه، ثم إن الكنيسة لعبت
الدور الأبرز في صناعة الجيل الذي حكم إفريقيا بعد الاستقلال من خلال إرسالياتها و مدارسها الكنسية التي علمت هذه الأجيال و صاغتها في قوالب تخدم مشروع الكنيسة، مما أسهم لاحقا في البصمة القوية للكنسية في توجيه السياسات في العديد من البلدان الإفريقية.
و توطدت علاقة الكنسية بالسلطة في الكونغو الديمقراطية إلي الفترة الاستعمارية، حين كان الحاكم بلجيكي الليوبورد الثاني يستعين بالكنائس الكاثوليكية في عموم البلاد لإدارة نظامه مما أعطي هذه الكنائس نفوذا سياسياً و اقتصاديا, وبالتالي أصبحت الكنيسة الكاثوليكية الكونغولية تمتلك الإدارة و الاقتصاد وتعمل بصفة رئيسية في مجال التعليم وبناء المدارس وفي مجال الصحة.
إلا أن مراقبين يرون في حراك الكنسية بالكونغو الديمقراطية خروجا للكنسية عن مهامها، و أنها انحرفت عن دورها الأساسي الذي يجب أن يقوم على قيادة أتباعها نحو السلم و المحبة بدلا من خطابات نشر الكراهية و التأزم.
و يتهمون رجال الكنسية بمحاولة ملأ فراغ ضعف المعارضة و المجتمع المدني بإبراز الكنسية كقوة حيوية و فاعلة مما يحتم على السلطة طرح حساب لذلك، إلا أن ثمة من يري أن الكنسية تمتلك مصالح كبيرة و من حقها توفير مناخ مستقر لحماية هذه المصالح التي قد تتضرر من زعزعة الأمن و الإستقرار.
و يؤخذ منتقدي كابيلا عليه كونه كان السباق في الاستعانة برجال الدين في تدبير السلطة و إقحامهم في معترك السياسية، فالقس أبولينين مالو مالو شغل منصب رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات في الفترة ما بين 2003 و 2011 و قد شهدت الانتخابات التي نظمت في هذه الفترة الكثير من التزوير لصالح معسكر السلطة، و أسندت رئاسة اللجنة من بعده للأسقف دانيل انغوي مولوندا و هو أيضا رجل دين مقرب من كابيلا. كما أن رئاسة مجلس الشيوخ أسندت في الفترة ما بين 2003 و 2007 للأسقف ماريني.
سيدي ولد عبد المالك-كاتب و باحث في الشأن الإفريقي