بعيون يطل منها الحزن، ظل محمد حرشوف يتجول باحثا عن سيارته المفقودة بين مئات السيارات المتكدسة، والتي تظهر معالم بعضها بينما بالكاد يظهر لون بعضها الآخر، بسبب ما تعرضت له من تكوم الغبار الذي أحدثته عوامل الزمن والإهمال.
فهنا في "حضانة السيارات" التي تعرف باسم "مقبرة السيارات" في حلوان (جنوب القاهرة)، تقبع كثير من السيارات دون صاحب منذ سنوات.
الدفن أم الحفظ؟
"مقابر السيارات" هي أماكن لتخزين السيارات التي تم سحبها من أصحابها كأحراز في قضايا أو لعدم وجود بيانات خاصة بها أو لكونها مهربة جمركيا، ومنها السيارات المسروقة والمخالفة. وتظل السيارة في "المقبرة" إلى حين عرض صاحبها على النيابة.
وبنظرة عامة على مقبرة السيارات في حلوان، يظن المرء أنها ليست لحفظ السيارات قبل تسليمها لأصحابها بل لـ"دفنها"، فالكثير منها أصبح عبارة عن "شبح سيارة" بعد أن فقدت قطعا منها وأصبحت هيكلا من المعدن، وهو ما يدل على أنها قد تم تفكيكها بصور غير قانونية وسُرقت قطع منها.
يقول محمد حرشوف للجزيرة نت إنه فقد سيارته منذ ما يناهز العام، وبالرغم من محاولته طرق جميع الأبواب للوصول إليها؛ فإنه لم يستطع أن يصل لها حتى اليوم، بالرغم من تقديمه بلاغا رسميا في قسم الشرطة.
ويستطرد "لم أتخيل المنظر الذي وجدته بذهابي إلى مقبرة السيارات، فأي صاحب سيارة مفقودة لديه حلم بعودتها، ولكن الذهاب إلى المنطقة كفيل بأن يفقده الأمل في العثور عليها".
وأشار إلى غياب التنظيم في عرض السيارات المتهالكة، سواء بسبب العوامل الطبيعية أو السرقة، خاصة مع عدم وجود أسوار تحمي الموقع.
ويتساءل حرشوف: لماذا لا تقوم وزارة الداخلية بالبحث عن أصحاب السيارات في الحضانات وإعلام أصحابها بدلا من تركها حتى تصدأ مع الزمن أو تتعرض للسرقة، بدلا من توريط القادمين في أمل زائف لا يصلون من خلاله إلى شيء إلا زيادة الشعور بالخسارة والألم؟
أموال مهدرة
مقبرة السيارات بحلوان ليست الوحيدة من نوعها، فهناك العديد منها في المحافظات مثل الجيزة والإسكندرية والقليوبية وغيرها، ويوجد فيها قرابة خمسين ألف سيارة معرضة للسرقة والتلف، بحسب اللواء يسري الروبي مساعد وزير الداخلية للمرور الأسبق في تصريحات سابقة، والذي أكد أن هذه السيارات تُهدر على الدولة عشرين مليار جنيه (نحو مليار دولار)، لعدم استغلالها أو سرعة التسوية القانونية مع المالك.
ووصف عضو غرفة السيارات بالغرف التجارية المصرية علاء السبع، مقابر السيارات بأنها "اقتصاد غير مستغل"، فالسيارات هناك تقدر بملايين الجنيهات، ولا يتم الاستفادة منها أو تُعاد إلى أصحابها.
وأشار السبع إلى أن القانون يعطي الحق لمالك السيارة بدفع الغرامة واستعادتها مرة أخرى، إلا أنه بسبب بطء إجراءات التقاضي تظل الكثير من السيارات في مكانها، مما يجعلها عرضة للسرقة أو التلف.
ويوضح أنه إذا صدر قرار نهائي من المحكمة بالمصادرة، فإن ملكية السيارة إلى تؤول الدولة، وتباع بالمزاد عن طريق وزارة المالية، حيث لا دخل لوزارة الداخلية سوى الحراسة والتحفظ فقط.
المصدر : الجزيرة