زار رئيس الفقراء الصين الشعبية،وهي دولة عظمى تهتم بالفقراء ورئيسهم،فاستقبلته بكل صنوف الكرم والإجلال.
كان توقيت زيارته مناسبا صادف فوز حزب الفقراء الموريتانيين بأغلب المقاعد البرلمانية والجهوية والمحلية في معجزة انتخابية ذكرتنا بأخرى بذ فيها رئيس الفقراء كل المرشحين في الشوط الأول،ما أثار استغراب سياسيين بارزين قرروا على إثرها المقاطعة التي انتهت بمشاركتهم في الانتخابات الأخير قبل حصولهم على تفسير للغز ما سموه بالباء الطائرة.
ابتهج كل شيء بفوز حزب الأغلبية،حتى الطبيعة زغرد بعوضها وتلاطم موج مياهها الصافية والملوثة ونقنقت ضفادع أسكتها جفاف طويل،وتكلم الرويبضة في الأمور العامة،ما جعل رجل الشارع يشارك برأيه هو الآخر.
في تلك الأثناء انعقد صالون للتحليل السياسي داخل تاكسي متهالكة،ركبتها من أمام مصرف BMCI باتجاه توجنين في يوم يشهد بصدق من قال : لا رجال إلا رجال البحر.
بدأ النقاش وقائد التاكسي لا زال في بحث عن رأسين من القطيع حصل عليهما فيما بعد مقابل دراهم معدودة دفعها لخبير في العلاقات العام تولى استقبالهما وبشرهما بأن الرحلة من نوع نادر لا ينتهي عند ملتقى طرق مدريد كما تعودوا عليه،وإنما هي رحلة مباشرة تسلك طريقا يمر من داخل المطار القديم الذي فيه بحيرات عظمى غير مزعجة للراكبين والراجلين خلافا لمثيلاتها المدريدية،و شوارعه لا عوج فيها ولا أمت.
لم تكن لتلك التاكسي علامة تميزها عن السيارات الشخصية،في حين كانت ملامح قائدها تشبه إلى حد ما ملامح وزير العدل الذي ارتبطت في ذهني بخيبة الرجاء رغم أنه لا مشكلة بيني وبينه،لكن وزارته التي يدعمها مشروع تابع للإتحاد الأوربي يسمى دولة القانون اعتادت منذ سنين الإعلان عن اكتتاب قضاة و موثقين تستقبل ملفات ترشيح المرشحين لهم،إلا أنها لا تكمل المشوار ولا تعطي تفسيرا مقنعا،وتكتفي بالإعلان عن تأجيل ثم تأجيل بعد ذلك إلى أن ينقطع الأمل ويتحول الإعلان سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماءا...
ستة أنا سابعهم لواهم حظ عاثر في زمن حرون،أحلامهم صغيرة لا تتجاوز حدود الحفاظ على الحياة..لسنا مثل الشنفري الذي له قضية كلفته معاناة مثل معاناة الذئاب.
نحن ركاب التاكسي وإن كان مستوانا المعيشي تحت مستوى ملاك السيارات،فإن هذا المستوى الذي نحن فيه يتربع فوق مستويات ركاب الباصات ،وركاب الحمير نحو الترحيل والعشوائات،وفوق مستوى من يمشي على رجلين ومن يمشي على أربع ومن يزحف على بطنه.
ونحن والحمد الله لسنا سجناء مستشفيات عمومية صارت أي عملية جراحية فيها سبب موت محقق،ليس لنقص في خبرة الطاقم الطبي أو نقص في عدده،لكن الطبيب الذي يقوم ببقر بطون المرضى أو علاجهم بوسائل أخرى ليس من الإنصاف تكليفه بتوفير الأدوية اللازمة للعلاج،والدولة لم توفر تلك الأدوية ولم تبذل ما يكفي لمنع انتشار الدواء المزور..وبهذين ازدادت معانات الفقراء مع كل عملية جراحية تحمل وصفاتها غير محدودة تقضي على آخر رمق في قوتهم الشرائية الضعيفة أصلا،وبعد موت تلك القوة نهائيا يبقى مصير المريض معلقا بجود المتبرعين.
نحمد الله أننا نركب سيارة أجرة نوع مرسيدس 190D زادت حمولتها وتهالكت وجبت على كل منا مبلغ 20 أوقية جديدة تمثل نسبة هامة من دخلنا المعدوم،وهي جباية تتكرر مع كل ذهاب وإياب نحو ألا شيء.
بعد انطلاق السيارة استبعدت فرضية كون وزير في الحكومة تنكر في هيئة أخرى،فأحرى هيئة سائق ،وانقلب الشك يقينا لما تذكرت أنه ما من وزير تم تعيينه للأغلبية إلا و تمرد عليها وتحولت حياته مظاهر ورياء وانتقل إلى حي الأقلية في تفرغ زينة..ومن هنا يستحيل أن يقود وزير تلك السفينة البر مائية حتى ولو كان هدفه نشر إعلان مضلل جديد.
خشيت أن ينحرف صالون التاكسي الصغير كما انحرف أخ له من قبل تحول محاكمة شعبية غيابية للرئيس محمد ولد عبد العزيز،ما كلفني وقتها الدفاع عن الرئيس الغائب انتصارا لميزان العدل وحماية لأعراض المسلمين.
افتتح الكلام راكب قال إن الرئيس ذهب إلى الصين لصنع مأمورية رئاسية ثالثة في مصانعها الذكية،وأنه تقرب إليها بخطوط العلم الحمر..وتبين لي أن هذا الراكب مريض لكثرة ما استعمله من مواد صينية مزورة أو منتهية الصلاحية.
انتبهت امرأة مذهولة جلست في طرف قصي جنب مراهق عنفته كثيرا،لعله ابن تخشى عليه الانحراف، قالت : ولد عبد العزيز يريد أن يكون ملكا،وأضافت قالها صراحة ومهد لها بتغييره للعلم،واسترسلت قائلة،إن اللون الأحمر لون العرش المغربي،والعرش المغربي هو الذي أرسل جيوش المقاومة الموريتانية حتى تلك التي استمرت بعد الاستقلال بقيادة المرحوم أحمدو ولد حرمة الذي بايع الملك.
حاول رجل فض النزاع القائم على الخطوط الحمراء بين التيارين المغربي و الصيني قائلا : خطان أحمران قسمتها بسيطة بين الصين والمغرب،ونحن لا حظ لنا من التركة.
قال السائق إذا كان شرف النسب قد حل محل الدستور فعلي اصطحاب شجرة نسبي والتوجه إلى ملك المغرب لعله يعينني واليا عليكم،وأعدكم أنني لن أغصب أرضا كما فعل الولاة والحكام قبلي،وأعدكم كذلك بمعاقبة ladi التي صارت شر الثلاثة..
تدخلت مذكرا بالإنجازات التي تحققت والتي لم تتم على مثال موريتاني سابق ولا على شيء مما تركه من سبقوه.
قال سائق التاكسي موجها كلامه إلي: قبل أن ينجز شيئا عليه وقف الضرر الذي تسببت فيه دولته للناس،وأضاف : ترفع الدولة أسعار المحروقات كما ترفع الرسوم على أشياء ضرورية في حياة الناس وهذا سبب معاناتكم.
قال راكب آخر،لا يمكن أن تطلبوا من الرئيس دفع شيء من جيبه،لكنه مسئول عن مراقبة موارد الدولة ونفقاتها،وانطلاقا من ذلك يكون تقويم ما تحقق من إنجازات يقتضي تذكر ما كنا عليه وما نحن فيه اليوم، ثم مقارنة بين تكلفة الإنجاز والمبالغ التي صرفت،وقبل اكتمال الصورة توقفوا عن الكلام فيما لا علم لكم به.
وأضاف : من دهاء ولد عبد العزيز أنه حين كانت الشعوب العربية ثائرة على حكامها العسكريين استطاع هو تثوير شعبه ضد المعارضة،كما صرف كل من وقف في وجهه صرفا صحيا أو صرفا غير صحي.وساعده أيضا ما تجرأ عليه من رفع عصى الترهيب في وجه المفسدين ،وبذلك روع كل من شغل وظيفة عامة أو استفاد من قرض زمن معاوية حتى دانت له رقاب هؤلاء فوظف نفوذهم وأموالهم لصالح نظامه،وتركهم بين الخوف والرجاء..
وأضاف : أما عملية إصلاح الحزب الأخيرة فإن الرئيس أراد بها حزبا سليما من مرضى الترحال ومزدوجي الولاء،ولهذا سمح للرحالة بالترشح من خارج الحزب حتى يتمكن من غلق الباب دونهم.
ومع انتهاء كلامه اقترب المكان المقابل لحارتنا من طريق الأمل،وطلبت من السائق التوقف لأخطو خطوات متثاقلة نحو البيت وأنا أفكر في واقعي وفي المغربي والصيني و الباء الطائرة التي تفضل المتدخل الأخير بتفسيرها تفسيرا ربما لا يقنع المعارضة المبرمجة أصلا على أن كل استحقاق لم تفز به مزور.
المحامي / محمد سدينا ولد الشيخ ولد أحمد محمود