المقاربة التي تتبناها الإدارة الفرنسية الجديدة و حلفائها داخل مجموعة الإتحاد الأوروبي بخصوص تعزيز التواجد و التأثير العسكريين بمنطقة الساحل بحجة محاربة الإرهاب بهذه المنطقة باتت تطرح الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقة وراء حملة عسكرة منطقة الساحل.
لقد اظهر الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون سعيا حثيثا للإبقاء على تركة سلفه فرنسوا هولاند بخصوص منح المنطقة أولوية خاصة في سلم الاهتمام الخارجي لفرنسا، فمع انتخاب و تنصيب ماكرون بدأ المسئولون الفرنسيون و على رأسهم ماكرون بالتقاطر على دول منطقة الساحل لإقناع مجموعة الخمس للساحل، التي تتكون من موريتانيا و تشاد و النيجر و مالي و بركينا فاسو بالتدخل العسكري في شمال مالي.
عمل هولاند جاهدا لجعل من يفوز بخلافته أمام سياسية أمر الواقع و ذلك بفرض السير على خطاه بالاستمرار في تبني مقاربة أمنية-عسكرية بمنطقة الساحل تضمن عودة فرنسا لإفريقيا بالقوة تذرعا بمحاربة الإرهاب و التطرف.
خلفيات و حسابات هذه السياسة تنطلق من مخاوف فرنسا من التراجع التدريجي لنفوذها السياسي و الاقتصادي بمستعمراتها القديمة، و ذلك في ظل تراجع حصة فرنسا في أسواقها التقليدية بإفريقيا للنصف على مدار الخمسة عشرة سنة الأخيرة بفعل منافسة قوي جديدة كالصين و الهند و تركيا.، التي بات وجودها يشكل تهديدا حقيقيا للمصالح الحيوية و الإستراتجية لفرنسا بمعاقل نفوذها التقليدي.
و تتمحور أهداف الأوروبيين من هذا في الحد من تدفق الهجرة و الوقوف في وجه انتشار التطرف و التزود من المواد الأولوية و إيجاد أسواق مناسبة يعد المنافسة القوية في المجال التجاري و الاستثماري التي تواجهها اورويا بمستعمراتها القديمة بشبه المنطقة.
فالمعلن إذن من دوافع التدخل الفرنسي و الأوروبي في منطقة الساحل هو الحرص على استقرار المنطقة و القضاء على التنظيمات الإرهابية و الجماعات الخارجة على القانون، لكن حجم مصالح فرنسا و مخاوف الأوروبيين من استمرار الانفلات الأمني في منطقة متاخمة جغرافيا للحاجز الأمني لمنطقة الأوروبي متوسطي هي أمور تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأجندة الحقيقية لهذا التدخل الغربي هي بهدف إحكام النفوذ و السيطرة على هذه المنطقة.
و مما يدعم هذا التحليل نشر فرنسا لقواعد عسكرية في المنطقة و سعيها للفت الاهتمام الأوروبي للمنطقة من خلال توقيع اتفاقيات و مذكرات تفاهم مع بعض الدول كألمانيا حول آليات التنسيق المشترك للعمل بمنطقة الساحل و تشجيع دول أخري للتواجد العسكري بإفريقيا و الضغط على الدول الإفريقية الحليفة بالمنطقة لنشر قواتها و جيوشها لمحاربة الجماعات المتطرفة وفق مزاج و مصالح فرنسا كما هو الحال مع مجموعة الدول الخمسة المشكلة من: موريتانيا و مالي و النيجر و تشاد و بركينا فاسو.
فهناك سعي فرنسي حثيث للزج بهذه المجموعة في الحرب بالوكالة عن فرنسا بمنطقة الساحل و ذلك تدعيما للموقف العسكري الفرنسي ميدانيا في مرحلة أولي على أن تشكل جيوش هذه المجموعة في مرحلة لاحقة قوة بديلة تُعوض فراغ الانسحاب العسكري الفرنسي من الساحل الذي يُخطط له الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون ضمن سياسية تقليص الإنفاق على الجيش و حروب فرنسا الخارجية.
و لتعظيم نفوذها بالساحل تسعي فرنسا لتقويض و تحييد جهود المنظمات و الدول التي تتحفظ على التواجد الفرنسي بمنظمة تنمية لدول غرب إفريقيا "إكواس" و الجمهورية الجزائرية، فهناك هاجس كبير لدي الأفارقة من وجود نزعة فرنسية مقلقة في إضعاف المنظمات الإقليمية الإفريقية من خلال فصل الساحل جيوسياسيا عن حاضنة "إكواس" بشكل تدريجي ، و ذلك بهدف تقويض ديناميكية التضامن و تعريض مشاريع التنمية للخطر و ترسيخ مبدأ عدم الثقة في هذا الإطار كمنظمة قابلة لتحقيق الأمن لدوله و فضاءاته الجغرافية.
ففرنسا تسعي لتفتتت المنظمات و الأطر الإفريقية التي تحيد عن مسار الأجندة الفرنسية بالمنطقة و ذلك من خلال خلق و دعم تكتلات جديدة تسير خلف الموقف الفرنسي مثل مجموعة الدول الخمسة للساحل بغية تأسيس نمط استعماري جديد شعاره التبعية العسكرية و الأمنية لفرنسا باعتبار أنها الدولة الوحيدة القادرة على توفير الأمن و الاستقرار لبعض دول هذه المنطقة.
سيدي ولد عبد المالك-كاتب مهتم بإفريقيا