أصبحت حاجتنا كمسلمين لمراجعة بعض الفتوى التنظيمية للعلاقات مع الآخر حاجة مفصلية .
إن الباحث في جذور هذا التطرف الفكري الذي شأنا ام أبينا قد ادخلنا في تناقض صارخ مع ذواتنا وسبب لنا عقدة لا نكاد نخرج منها إلا بحثا عن تبرير أو عذر.
فنحن نشجب الإرهاب وندرسه للأولاد في الوقت عينه.
يرى الباحث أن هناك تأصيلا صلبا ومتماسكا لهذا الفكر المأزوم في الكثير من الفتوى والتشريعات ذات الطابع الديني، ذلك أن الإرهاب الذي نراه ليس لدوافع جنائية بل هي أيديولوجية بحتة سعيا وراء تجسيد بعض القناعات على أرض الواقع.
وحتى إن وصفنا فكر هؤلاء الشباب بالإرهاب فإننا لا يمكن أن ننكر أنهم يستمدون شرعيتهم من المنظومة الدينية المشكلة لمفهوم العلاقة مع الآخر في وعيهم وتحدد لهم المنهج الحضاري لتغيير الذي ينشدونه.
يعرف الدكتور شريف بسيوني الإرهاب بقوله 《 الإرهاب هو إستراتيجية عنف محرم دوليا و تحركه دوافع أيديولوجية 》 .
ومما يثبت ذلك أن جل للذين يمارسون هذه الظاهرة ياخذون ثقافتهم الدينية في مجال العلاقات مع الآخر من كتب ألفت في ظروف تاريخية كان العداء فيها سيد الموقف وتنعدم فيها الثقة بين شعوب العالم و تطغى فيها ثقافة الحقد المتبادلة.
ومن جهة أخرى كانت نشوة النصر و اختلال ميزان القوى لصالحهم دافعا للعلماء للتنظير لأحكام اجتهادية في مجال العلاقات الدولية تناسب نفسية الفاتح المنتصر مما نتج عنه :
إيجاد بيئة فكرية و اجتهادية لا تشجع بتاتا على التعايش السلمي.
نشوء عقدة تفوق لدى المسلمين وشعورهم انهم الأقوى دائما حتى إن كانت المعطيات تفند هذا الاعتقاد.
تعزيز قناعة المسلمين بأن هناك عداوة ازلية بينهم وبين العالم أجمع بسبب الخلاف العقدي لا بسبب الصراع على المصالح و الثروات و الامور الاستراتيجية.
هذه الظروف الدقيقة جعلت العلماء في تلك الفترة يبحثون عن نصوص شرعية ورد فيها سرد لوقائع تاريخية خاصة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليعمموا هذه النصوص وأحكامها في كل زمان ومكان لأنهم كانوا يصوغون نظرية و يبررون الحرب وتحريض على " الفتح " مرسيين بذلك ثوابت الفقه السلطاني الذي كان يريد قهر كل من لا يعتنق الإسلام بالاعتماد على المقاربة الثلاثية ( الاعتناق - الجزية - السيف ) .
يقول القاضي عبد الوهاب البغدادي 《 ولا يكف عنهم حتى يدخلوا في ديننا، أو يؤدوا الجزية 》.
بينما كان المنتظر من هؤلاء العلماء أن يؤسسوا لفكر يسمح بتعايش السلمي على أساس وحدة الأصل و وجوب نشر العدل والرحمة وهي المفاهيم الروحية لرسالة الإسلام و جوهره و مقصده الأسمى.
ولكن مع الأسف أهمل العلماء هذا، لأن التأسيس الفكري للسلم في تلك الفترة التي كانت فترة قوة كان سيصبح أقوى و أكثر رسوخا و تشكيلا لوعي المسلم.
ولكن العلماء اختارو محاباة السلاطين و تكييف النصوص وليها ليا من أجل تحقيق مراد الحكام. فلما تغيرت موازين القوى في نهاية القرن التاسع عشر وجد المسلمون أنفسهم أمام واقع جديد خاصة مع سقوط الدولة الإسلامية الواحدة و إنشاء قوانين دولية و جعل السلام غاية ينشدوها العالم رغم بعض التجاوزات.
هذا الواقع أدى إلى انقسام كبير بين الفقهاء في اتجاهين، الأول ارتئ أن يراجع الاجتهادات الفقهية المشكلة للاساس الفكري الذي بني عليه تصور المسلمين للعلاقات مع الآخر، فانتج هذا الفعل قطيعة مع الفقه السلطاني الموروث ، لكن هذا الاتجاه مازال أصحابه يمثلون أقلية من نخبة الفقهاء و المفكرين.
أما الاتجاه الآخر فقد تمسك بتلك الاجتهادات الموروثة و واصلوا التنظير لوجوب بناء العلاقات مع الآخر على أساس العداء وهذا طبعا يرجع إلى إهمال الفقه بشكل كبير و مواصلة التمعن في الخروج عن الواقع و تقديس فقه الأموات واعتبار اجتهاداتهم أحكاما مقدسة صالحة لكل زمان ومكان. وكذلك وجود تصور مسبق عن الآخر عززتها شواهد تاريخية قديمة ( الحروب الصليبية. ..) و حديثة (الاستعمار ) وكذلك انحياز الغرب إلى الكيان الصهيوني وتعديه السافر على سيادة بعض الدول الإسلامية.
ومما عزز هذا الطرح غياب أي مشروع تجديدي من شأنه خلق مصالحة بين المسلمين وواقعهم، وكذا جمود في نظرة بعض الفقهاء أو جلهم في منهجيّة التغيير و الصعود الحضاري حيث ترتبط عندهم بالقتال وربط الأخير بنشر الدعوة الواجبة دينيا .
ومن الجلي أن هذه الصلة لم تعد تملك تبريرات من حيث المنطق لأن العولمة و ما صاحبها من تطور في وسائل الإعلام والاتصال يفند هذا الطرح المختل الخارج عن السياق الواقعي.
و يعتمد هذا الخطاب الديني في تمدده على الجانب العاطفي و التهييج المنسق بدون مراعاة لأبسط الضوابط الشرعية.
لذا وجب على علماء الأمة أن يحاولوا إعادة النظر في كثير من الفتوى و تجديد الخطاب الديني وإعادة تعريف بعض المفاهيم الشائكة مثل جهاد الطلب و الدولة الإسلامية وما إلى ذلك من مفاهيم تسببت في اهراق انهار من الدماء بدون سبب، لكي يخلقوا وعيا وتصورا للعلاقات بين المسلمين و غيرهم يتماشى مع الواقع و تطوراته كما يجب مضاعفة الجهود من أجل ترسيم و تقنين الفتوى و ضبطها وان كان ذلك من الصعوبة بمكان بسبب ما ذكرنا من تطور في وسائل الإعلام المختلفة.
خالد عبد الله