بعيدا في المنتبذ القصي بين صخور الصحراء الكبرى ورمالها، بجوار محيط يمتد إلى اللانهاية، يعيش شعب التناقضات المنسقة، شعب يخوض معركة داخل دوامة من الارتباك، يجدع فيه الشخص أنفه برضاه.
بين ليلة و ضحاها تحول من مجتمع بدوي بامتياز إلى مجتمع ضلت به الاتجاهات فانكر نفسه في خلجات روحه وتمسك بهوية لايدري ماهي.
تحول فينا الدين إلى تدين فأصبح الكشف عن نوايا الناس ومعرفة مقاصدهم من اختصاصهم دون الله. فصار الواحد منا رقيبا على الجميع بإستثناء نفسه، فتكون بذلك شرخ في شخصيتنا على أساسه بنيت معاملاتنا و عليه وضعت معايير المحاسبة و التقييم.
مجتمع ينكر التجديد ويعتبره في آن واحد معيارا لوصف الغير باتخلف حسب الحاجة! . امتداد من الازدواجية في المعايير وتجويف ممنهج لقيم أصبحت مجرد عناوين، يتقيد بها " الادخن " لتلميع صورته ويخلعها حين تنطفئ الأضواء، والغريب في الأمر أنه يتقمص الدورين أمام نفس الأشخاص! !.
فكأننا نكذب على أنفسنا و نصدق الكذبة.
هنا يتجلى النفاق في أسمى آياته ويتفرع و يتشعب فلا عالم نفس ولا خبير اجتماعي يمكنهم معرفة القبل من الدبر .
هنا يبني الفقيه عمارة من تبرعات خصصت لمسجد وبعدها يعظ الناس في حرمة المال الحرام، والجميع يعلم أن هذا الكوخ الذي يعظهم داخله قدر له أن يكون مسجدا لولا أن العارف بالله إختار العاجلة، ومع ذلك تتطاير " وخيرت " في الأجواء لأن الشيخ أصبح رجلا صاحب " اوقيات" وتلك هي الحصانة الربانية في ففهمنا.
في أرض "الدخن " الشباب يقيس عظم المعصية بعظم فضيحتها، فإذا حيكت بسرية تامة يقول قائلهم " إن الله غفور رحيم " . وبعدها يخرج إلى الشارع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر! .
عندنا من بطء به ماله لم تعجل به كفاءته ومن عجل به ماله لم تبطء به كفاءته.
مجتمع كان يرتحل بحثا عن الماء و الكلأ ولازال، لذا يرى أن الدولة مجرد تركز لذاك الماء و الكلأ ترسل كل قبيلة وجماعة أبناءها لكي يجلبوا ما استطاعوا من خيراتها، فيعتبر مختلس المال العام بطلا لأنه ذهب " ديار" و بفضل " التفكريش " عاد بخير عميم وفير إلى أهله، فتنهال عليه الجموع بين مادح و متملق وهو في الحقيقة يعلم وهم يعلمون انه مجرد سارق.
في هذه المعمعة من ارتباك النظم واختلال الموازين و انهار الكذب وامطار النفاق يبقى السؤال الذي يطرح نفسه و لا وجود لأي مؤشر على إقتراب الإجابة هو : من نحن؟ ؟.
خالد ولد عبدالله