لم يزل المجتمع الموريتاني بطبيعته الوادعة وسلوكه البدائي-حسب الدكتور حماه الله ولد السالم-مجتمعا سهل القابلية للإنخداع والإنقياد لكل ماهو شائعة وخارقة,والذوبان والتفاني في كل ماهو أسطوري وخيالي ليس ذلك فقط في مجال الإعتقادات وأنماط التفكير وإنما أيضا في مجالات أخرى ليست هي وليدة الأساطير والخوارق,كالسياسة والتدبير الإقتصادي والعلاقات المجتمعية ولذلك ما يعضده من الشواهد الواقعية والأدلة التاريخية بعيدا عن التضليل والمجاملة التي تحظى بوجودها وصداها في مجتمع قبلي وجهوي وطبقي.
ومن بين أكثر الأساطير شيوعا في القرن الواحد والعشرين في موريتانيا أسطورة الذهب التي ضربت بسياطها جسم المجتمع الموريتاني بقوة فكان ضحيتها ساكنة البلاد من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها,كانت بداية هذه الأسطورة في الوسط العامي, وليست إلا أيام بعد الإعلان الرسمي من طرف وزارة الطاقة والمعادن والمكتب لجيولوجي حتى أصبح السواد الأعظم من أصحاب الأموال وغيرهم على مذبح الصحاري ومصيدة بذل الأموال الطائلة طواعا في سبيل المجهول بناء على تلك الأسطورة المؤسسة.
وقد ضربت هذه الأسطورة بجذورها في البلاد على صعيدين أساسيين هما الصعيد السياسي و المجتمعي وعلى صعيد آخر أقل حضورا من السابقين هو الصعيد الإقتصادي:
أ-على الصعيد السياسي:
أعلنت الدولة رسميا وجود الذهب بكميات معتبرة في ضواحي صحاري تيرس على امتداد مئات الكيلوميترات وعلى سطح قشرة الأرض بحيث يمكن استخراجه بطرق سهلة وبدائية بواسطة أجهزة صغيرة كاشفة للذهب مع تفاوت قدرة هذه الأجهزة على إلتقاط ذبذبات الذهب وحده دون الحديد والمعدن,تهافتت ساكنة البلاد على محلات بيع هذه الأجهزة بشكل مثير للعجب والغرابة وبذلوا فيها الملايين وأضافوا لها التجهيزات الأخرى كالسيارات عابرات الصحراء والمؤن من مأكل ومشرب غير معبهين بما بذلوا في سبيل ذلك من أموال سواء كان مصدر تلك الأموال المداخيل الخاصة أو بيع الممتلكات أو الدين,غير أن ما خبأته الأيام لهؤلاء كان من باب جري الرياح بما لا تشتهيه السفن. نالت الحكومة الموريتانية ممثلة في الوزارة المعنية وبعض المسأولين وحتى رئاسة الجمهورية من الشعب المغلوب على إرادته, إذ تم بيع التراخيص بمئات الآلاف وحتى الضرائب الجمركية والضرائب الأخرى كل ذلك تم تقبله في حالة هستيرية طواعية أمام صاعقة الأسطورة المؤسسة.
وقد كان من وجهة نظر الرأي العام معضدا بالصوت المعارض أنه ينبغي إظهار الحقيقة للمواطنين حقيقة بذل الأموال الطائلة في سبيل ذرات الذهب التي يحتاج إستخراجها إلى جهود الرجل الآلي,كما كان ينبغي رفع هذه العقوبات المتمثلة في الضرائب والتراخيص أو إعطائها مجانا ,بالإضافة لإرسال مؤن طبية أو صيدلية ودعم الأدوات الأوليةو إرشاد المواطنين وتوجيههم وتبيين الحقيقة لهم الخ الخ
ب-على الصعيد الإجتماعي:
تم فشو أسطورة الذهب كإنتشار النار في الهشيم مجتمعيا وتم تداولها بين الجنسين كل حسب حياكته للأسطورة مع تعديلات مغايرة,يشبه ذلك من يحفر قبره بيده ويجمع عوامل بؤسه ويأسه يفسر ذلك تجذر العقل الأسطوري للمجتمع,وفي ميدان التنقيب حسب ما عشت وشاهدت تبينت لي خروقات الأسطورة إذ ليست هنالك كيلوغرامات الذهب ولا أنصافها ولا أنصاف أنصافها بل ما يعثر عليه لا يقدر حتى بلغرامات مع شق الأنفس وهو ما أدى لحالة هستيرية جعلت أصحاب التنقيب مرتبكين بين خيارين أحلاهما مر,فإما أن يعيدوا حياكة أساطير مشابهة لأنفسهم كي يروضوها على تحمل قساوة منطقة اللعبة المضللة,أو يتقبلوا حقيقة واقع الأسطورة وينسحبوا من المذبح مع تحمل صدمة الخسارة الواقعة لا محالة في الحالتين.
-على الصعيد الإقتصادي:
تسببت أسطورة الذهب في خسائر مالية هائلة في صفوف الشعب بدت بوادرها تتكشف للوهلة الأولى من الصدمة متمثلة في استنزاف جيوب الفقراء قبل الأغنياء في المصاريف التي تم ذكرها مقابل نقطة استفهام,كما لم توجد مؤشرات على أي نوع من أنواع استثمار أموال المواطنين,ومن هنا تأخذ القضية بعدا آخر متمثلا في ملهاة سياسية من أجل شغل الرئي العام عن الكوارث والأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية مثل<<خطاب الرئيس في النعمة الذي تولدت منه بعض الإسائات والمغالطات,تعديل الدستور,الركود الإقتصادي,البطالة,صيحات مشكل الرق ومخلفاته,الجهل,فساد التعليم.......الخ الخ وللحديث بقية.
ميني /إبراهيم