صديقي جبريل، ربما تستغرب أن أناديك بهذه الصفة، رغم أن علاقتنا لم تتجاوز في الغالب روابط العمل، لكني أجدك اليوم صديقا لأني أثق بأن الصديق من صدقك، وهذا ما قمت به بالنسبة لي يوم أمس عندما أمددتني بالشجاعة لأن أحط عن كاهلي حملا ثقيلا طالما أرقني الليالي ذوات العدد.
صديقي جبريل..
اعتذر لك لأني جبان وأخشى أن أتهم بالنفاق والتزلف لولد عبد العزيز وكنت أقتل نفسي ألف مرة في اليوم حتى لا أبكى من الحرب الظالمة التي تشن على وحدة أبناء هذا البلد..
ولأني جبان وأخشى الاتهام بالتمسك بالمنصب لا أبكي، وأنافق هذا المجتمع الذي يمنعني بحجج موروثه البدوي من التشهير بمن سرق أموال فقراء هذا البلد رغم أني أعرف بعضهم بالاسم والوسم..
ولأني جبان لا يمكن أن أبكى ومضطر لأن أجامل بشكل يومي من تلطخت يداه خلال المراحل السابقة بدماء أبناء هذا البلد..
صديقي جبريل..
لأني جبان لا أقدر على البكاء بمثل شجاعتك رغم أني أفهم دوافع الحرب التي تشن على الإصلاحات التي أنجزت في هذا البلد وأعجز عن توصيل ذلك لضعف في القدرات التوصيلية..
ولأني جبان لا أستطيع أن أبكى رغم أني عرفت واقع حياة سكان العشوائيات وسكان أحياء الصفيح خلال ثمانينيات وتسعينات القرن المنصرم وأعرف ما ينتظرهم من تغيير لواقعهم إذا ما تواصلت الإصلاحات، ومع ذلك عاجز عن أقوم بما يكفى من تضحية في سبيل ضمان تحقيق ذلك.
صديقي جبريل..
شكرا لأنك كشفتني أمام نفسي وكشفت لي عن الجبن الذي زرعوه في عقلي والذي يقضى بأن الرجولة تستدعى الامتناع عن البكاء.. شكرا يا جبريل لأنك استطعت بشجاعتك أن تكشف لي أن التعبير عن العواطف البشرية فضيلة رغم محاولتهم تشويه حقيقة مشاعرك الإنسانية الجياشة التي تكنها لأبناء هذا البلد..
شكرا يا جبريل لأنك ابن الشعب وعايشت وعرفت ما يمارَس ضده من ظلم وغبن وتدرك اليوم بحكم المسؤولية حجم المؤامرة التي تحاك ضده، ومع ذلك أكدت أن ابن الشعب مهما سمت به الرتب يجب أن يظل ابنا بارا لهذا الشعب وأن يتألم لألمه وأن يبكى لما يحاك ضده..
صديقي جبريل..
رغم جبني.. أكشف لك أني بكيت في السر أكثر من مرة عندما أشاهد بعض مَن ابتُلي به هذا البلد من أبنائه العاقين، وكان ضمن الدائرة الضيقة التي تتحمل مسؤولية كل ما حاق بهذا الشعب من أذى خلال العقود الماضية أو مؤازرا لها ويرفض التوبة من آثامه وبدلا عن ذلك يستغل اليوم الأموال الحرام التي جناها من هذه المواقف المشينة، لمحاولة إعادة إنتاج الماضي البغيض.
والأسوأ من كل هذا أن تتصدر هذه الثلة جزءا من المشهد المعارض اليوم، وتقف أمام حشود الجماهير المغرر بها بحجة أنها تريد حماية الدستور والإصلاح، متناسين أن أكثر من يقف وراءهم اليوم من أبناء جيلنا الذي طالما غنى معنا ذات فسحة صباحية في ساحة المدرسة أو على حصائر الفصول التي كنا نجلس عليها رائعة الشاعر أحمد شوقي "برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا.." إلى أن نصل إلى" مخطئ من ظـــن يومـــا أن للثــــعلب دينا".. وأن هذه الجماهير رغم التغرير بها اليوم ستعود إلى رشدها لحظة ما، لأنها ستدرك بعد انجلاء الغشاوة والتسامي على المصالح الشخصية أنها تقف في الجانب الخطإ، كما ستدرك أن مكانها الطبيعي وحيث يُفترض أن تقف إنما هو إلى جانبنا عندما تحين اللحظة التاريخية المناسبة تأكيدا للقاعدة العملية القائلة بأن الجسم البشري يرفض بشكل آلي أي أجسام غريبة خصوصا إذا كانت سامّة.
صديقي جبريل..
اعتذر لك لأني كنتُ دوما جبانا ولم أمتلك الشجاعة لأن أقف موقفك المشهود يوم أمس أمام أبناء الشعب الموريتاني، والذي سيفخر به أحفادك بعد مئات السنين، قلة هم من سيفهمون موقفك، وأغلبية سيصعب عليها أن يستسيغ ما حدث لك، لأنهم ما بين عباد رجولة زائفة، ومن قد قلبه من حجر، وخصوم يسوؤهم أن تظهر على طبيعتك الإنسانية الأصيلة التي لم تفسدها مغريات السلطة والجاه. أحمد ولد محمدو اعلامي موريتاني