يقود الحديث عن تعديل الدستور بالضرورة إلى موضوع ملازم وهو التجديد لولد عبد العزيز الذي تنتهي عهدته "الشرعية " مايو 2019. وقد قاد هذه الحملة مجددا بكل محاذيرها القانونية والأخلاقية والسياسية 4 وزراء في حكومة عزيز من بينهم وزيران لحقائب سيادية ، متجاوزين بذلك واجباتهم القانونية إزاء احترام القانون ، إن إدلاء وزراء اثناء تأديتهم لمهامهم بتصريحات تطالب بخرق الدستور ـ أو يفهم منها ذلك ـ عمل غير قانوني ولا يمكن أن يكون بوجه من الأوجه رأي شخصي ، وأن يكون تحت قبة البرلمان (في جلسة استثنائية )ويبثه التلفزيون الرسمي فإن ذلك بالتأكيد أمر تظهر فيه إرادة النظام الجلية التي تزدري كل ثمين في البلد. وربما يكون ذلك هو السبب في عضل المدعي العام عن القيام بواجبه، فقد كان عليه ( وهو المسؤول عن السهر على احترام القانون وتحريك الدعوى العمومية )التنبيه على جسامة هذا التجاوز خاصة بالنسبة لشخصيات في هذا الترتيب الوظيفي ويقع احترام القانون في صلب مهامها . علينا أن لا ننسى مرة أخري أنه لم يقم بذلك.
كما كان على ولد عبد العزيز المستفيد الأول من هذه "الهرطقة " تبديد مخاوف المعارضة وهو يمد دائما يده مقبوضة للحوار ،أن يقوم بواجبه بمقتضيات المادة 24 من الدستوربأن يدرأ عن نفسه تلك التهمة بأنه هو من يقف وراء ذلك .وإن كانت الناس في حقيقة الأمر تستحضر بعناية كبيرة جوابه في مؤتمره الصحفي الثاني في نواذيبو لسؤال عن نيته في الترشح لمأمورية ثالثة بالقول "حتي نصل إلى ذلك التاريخ ".إن هذا الجواب الموجه للرأي العام بمثابة صفارة انطلاق الحملة بكل ما يعنيه من احترافية في عدم احترام القانون .وقد أشعل الوزراء فتيلها اليوم، وكان دور "يهوذا الإسخريوطي بائع المسيح "من نصيب زير المالية الحالي في مقايضة المحظيات بوظيفة إنها مهمة الخاطئين.
إن هؤلاء الوزراء في وضعهم القائم لا يملكون جسارة الإفتيات على عزيز .وقد كان وزير العدل في رجوعه الثاني إلى البرلمان حماسيا بالدرجة التي تشي بأنه يحس بأن أحدا مهما يراقبه ويهتم بمرافعته ، وقد أدي ذلك بأن صار العموم مهتم بمعرفة دوافعه الحقيقية ، فلم تكن المرافعة تفيد بقدر كبير من المصالحة مع الذات ولا مع السن.إن الوزير الذي يطالبنا بالتجديد لعزيز هو وزير متقاض يملك ملفا في القضاء حول عقارات، وقام ببعض الإجراءات تتعلق بتعيين وترقية القضاة وتشكيل المحاكم على خلفية ذلك الملف ، ثم إنه يواجه احتجاج 41 قاضيا، كما أن أي ضمانات للمستثمرين الأجانب حول استقلالية القضاء لم تتجسد في الواقع، ولا توجد أيَ فاعلية جديدة له بالخصوص ،وقد توج ذلك المسار بحبس صحفيين بشكل ينافي القانون لصالح ابن الرئيس ، في أقل من تسع ساعات .... تلك هي " ركبة إمراح"السيد الوزير ودون الإغراق في التفاصيل .
لقد أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة أهمية التعديل الدستوري حول مأمورية ثالثة كتطلع لأغلب الشعب ، وهو يريد أن يوضح موقف سابقيه ولكم كان ذنبهم افضل من عذره.
ولكي تؤكد الحكومة تصميمها حول موضوع تعديل الدستور فقد طلب وزير الداخلية في جولته للولايات الشرقية التي في باطنها التحضير لزيارة الرئيس في اجتماعاته بالأطر والمنتخبين والفاعلين المحليين "أن تتمحور المطالب والشعارات حول طلب التجديد للرئيس عبر تعديل الدستور "وتهديده بالمحاكمة إذا رفض" أو هذا ما فهمته منه الناس: وقاحة بدم ثقيل.
إن بلدنا عاثر الحظ ويواجه في خلاصة القول نكبة حقيقية على يد أبنائه وقد أضحى الأصلاء أكثر حماسا من غيرهم . إننا سنقدم للعالم ضمن تجربتنا الجديدة انتكاسة أخرى للديمقراطية ، بعد الانتكاسة الأولى 2008 إثر انقلاب عزيز على ديمقراطية اشتهرت بها موريتانيا وحصلت من خلالها على مكانة عالية وسمعة مرموقة في طول العالم وعرضه، وكانت الأولى بالبنط العريض على صدور اعرق الجرائد العالمية كمثال يحتذى ، وهكذا سنقدم في أقل من عقد من الزمن مرة أخري للعالم تشويها ثانيا لبلدنا لكي نظل أكثر بلدان العالم تقهقرا ودمامة وجه .
إننا نشهد على المستوى المحلي رمي نضالاتنا ومخاوفنا في المزبلة على يد نظام عسكري متعجرف لا يُقَدر العواقب ولا يريد أن ينفك .لقد صار موضوع تعديل الدستور كابوسا حقيقيا بالنسبة للنخبة وكذلك الذين يحرصون على أهمية التناوب بالنسبة للبلد بما تمثله المادة 99 من حصانة للمسار السياسي ، ففك تلك التعويذة أو ذلك الملاذ هو بداية فتح المجال للخيارات غير الديمقراطية التي يثيرها وقف مسار التناوب .إن الانقلابين الحاسمين في تاريخ البلد 1978 و 2005 وما مهد لهما ، ليسا إلا بسبب غياب فرص التناوب في الأفق لكن الطريقة السلمية نفسها ليست حتمية .وها هي بلطجية عزيز تدير ظهرها لكل ذلك في محاولة جديدة لإعادة الكرة .لقد جاء هذا التحصين تراكميا وعلى مدي 55 سنة، ففي 1961 كانت الدولة الوليدة حينها تواجه تحدي الوجود أمام المطالب المغربية بضم موريتانيا ، ولم تعدم المغرب قطاعا عريضا من المناصرين الداخليين لها في البلد ، ولأجل ذلك أغلق النظام القائم حينها الباب أمام أي تغيير من الداخل ، وقد كان ذلك بواسطة الدستور وهكذا مُنع عرض أيَ تشريع لتعديل الدستور يتضمن تغييرا لشكل الدولة أو يفضي إلى التصرف في شبر من أرضها، وقد أدرجت هذه المادة المغلقة في دستور 20 مايو 1961 في المادة 54 تحت الباب الثامن وقد تم نقل هذه المادة بحذافيرها إلى كل الدساتير بعد ذلك ، مع تغيير في موضعها وإضافة فقرات أخري ، لها مبررات تضاهيها في الأهمية حسب السياق الزمني والرهان المنشود .ففي دستور 20 يوليو 1991 ومن أجل الولوج إلى الخيار الديمقراطي وعدم العودة لطابع الحزب الواحد أصبحت الديمقراطية التعددية خيارا لا رجعة فيه بالنسبة للدولة والشعب وهكذا خصصت المادة 99 من الباب 11 حول تعديل الدستور مع الفقرات السابقة هامشا مهما لهذه الفقرة الجديدة كمواضيع غير قابلة للمراجعة ولا يمكن أن تكون محل عرض تشريع يوضع أمام الحكومة أو البرلمان للتعديل. لكن التجربة الديمقراطية ظلت ناقصة بسب أن الرئيس معاوية حينها ظل جاثما على المشهد ولا يعرف أحد متي سيترك الحكم ولم تصدر منه أي َ إشارة بذلك ،وللتخلص من هذه المعضلة المشوِهة للمسار والمثيرة لعدم الاستقرار تم مجددا حلها في دستور 26 يونيو 2006 ـ بعد إزاحته بانقلاب ـ لتنضاف في سياق متصل بتلك الفقرات السابقة حيث يمكن فتح باب التناوب من خلال تحديد سقف الترشح بمأموريتين .وهكذا وضعت تلك الفقرة التي تمنع أي تعديل يتعلق بالتجديد أكثر من مرة واحدة بالنسبة للرئيس من خلال المادة 99 جديدة .وقد عزز الدستور ذلك بالمادتين 28، و29 التي تحذر على الرئيس القيام بأي مبادرة مباشرة أو غير مباشرة لتعديل المأموريات،وفرضت عليه القسم العلني مرتين الأولي بأن يؤدي وظائفه باخلاص مع مراعاة احترام الدستور ،وقسم ثان " بالله العلي العظيم بأن لا يتخذ أو يدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28من هذا الدستور ".إنه مسار عقلاني يسير معضلات البقاء والشكل والمسار لدولة لم تشب عن الطوق بعد .إن الصدام مع كل هذه المحاذير لابد له من شرعية واسعة تثبت بالتجربة خطأ ذلك المسار . وهنا يكون من المشروع لنا التساؤل "عن بيضة الديك هذه " أي النجاحات الفريدة الخارجة عن المألوف أو حتى المألوفة التي حققها عزيز وغير متاحة لأي موريتاني آخر والتي دفعت بالوطنيين الأقحاح إلى أن ينتفضوا انتصارا للمصلحة العليا للوطن، أو هل أن الأمر ليس نجاحا بالأساس بل هو التمسك بزمام الأمور للتغطية على حجم الدمار والفشل الذريع الذي أحرزه هذا النظام وتغطيته بالدعاية المجانية التي تتألف من فقرة واحدة وتكون أحسن من كل شيء في الدنيا، فمن الأمن والاستقرار عهد معاوية إلى الطرق والكهرباء حتى التي تقطع عن الأحياء الشعبية عدة ساعات في اليوم لكن ذلك لا يغير من أمر الدعاية شيئا فقد طبعت في أذهان المواطنين.إن المتتبع لوضع البلد يرى بالعين المجردة مستوى تدهور الأوضاع العامة في البلد وأن لا سبيل للحديث عن التساؤل الأول.
إن الرئيس الذي تدق الطبول لإعادة ترشيحه لمأمورية ثالثة هو من جعل البلد على مدى 7 ىسنوات في مؤخرة القوائم على جميع المؤشرات حيث احتلت موريتانيا رقم 120من أصل 160على مؤشر السلام العالمي الذي يعتمد الثقة في النظام (المرجع الأمم المتحدة )والرقم 167 من أصل 185 من حيث صعوبة الأعمال (المرجع دويينك بانك ) والمرتبة 148 من أصل 175 على مؤشر الفساد ،ويقع ضمن 25 دولة الأكثر فقرا وتهدد المجاعة 25%من سكانه بصفة دائمة ، وتنفق 43 دولار سنويا على الصحة وميزانية الصحة 3% ويعيش ثلث المواطنين فيها بلا رعاية صحية .(المرجع الجزيرة ) ونسبة البطالة 31؟%والفقر 46%والريف 70% (المرجع فايناشل تايمز) كما اعترفت الحكومة في رسالتها إلى البنك الدولي 30 مايو 2013 بأن البطالة والفقر يعيقان أهداف التنمية . وفي نهاية المطاف ها هي قلاع الدعاية التي أمسى النظام يتستر وراءها تتهاوى الواحدة تلو الأخرى ، بداية بمعجزة عزيز حول حرية الإعلام بعدم حبس الصحفيين ،فها هو القضاء يكون فاعلا كما لم يكن فاعلا يوما من الأيام ويلقي بصحفيين في السجن لأنهما أوردا خبرا عن إبن الرئيس لم يتأكدا من صحته ، مثل كل الأخبار التي يتم تعاطيها كل دقيقة وكل يوم .لقد أنشأ النظام من شق الطرقات هالة من الأهمية وكأنه لم يبق أمامه سوى إنشاء الطرقات ولم يعرض النظام ضمن دعايته تلك أن الطرق من جبين عرق المواطنين وعلى حساب قوتهم اليومي حيث أن75% من الضريبة التي تدفع في حساب صندوق النقل الحضري والتي تأخذ على كل سيارة نقل كبيرة وصغيرة والبالغة 4ملبارات أوقية موجهة لإنشاء الطرق وكذلك الضرائب علي المواد الاستهلاكية أي أنها على حساب النقل والقوت اليومي للمواطنين. إن الدعاية المتعلقة بتقسيم الصدقات على الفقراء كإنجاز من خلال برنامج أمل الأكثر إذلالا للشعب 1125 حانوت على امتداد التراب الوطني بمعدل 30 طن شهريا للحانوت قد تراجع إلى 5,7 طن شهريا أي معدل 22 ليتر من الزيت يوميا، وعشرات الكيلوغرامات من الحبوب للحانوت الواحد، لقد حذر وزير المالية من أن أي نقص لسعر البنزين سيترتب عنه غلق 50 حانوت من أمل فماذا عن تقليص الكمية .إن هبوط الدعاية يستمر إلى تصدير الكهرباء للخارج وها هي والعاصمة تعرف انقطاعا منظما على أحيائها لتوفير الكهرباء للبقية . إن دعاية النظام تتجاوز الحقائق التي تترتب عليها التزامات اتجاه الشعب فقد شهدت المعادن طفرة كبيرة لم يتحدث عنها النظام ولم يشرح فوائدها على الوطن بل حولها لمصلحته ولم تنعكس على أوضاع الناس ولم تستفد منها الشركات المحلية فاسنيم التي تمثل تراثا وطنيا تعاسر البقاء وقد مرت عليها 5سنوات من الازدهارغير المسبوق في تاريخها لكنها بسبب ولد عبد العزيز ظلت تسير من خارج نظامها المستقل والمتميز وكان مديرها لعبة في يد الرئيس وأهل بيته، .كما كان الذهب يغرف من فوق الأرض من طرف شركة أجنبية لم يستفد منها الشعب ، بل كان فيؤها دُولًة بين المتنفذين . وعلى جانب بناء الدولة والقوة لم يحرزالشعب والحق يقال أي تقدم في مجال دولة المؤسسات ذات الإدارة الحيادية والقضاء المستقل ولا أي إنتعاش في مجال الأعمال فها هو النظام يجمع ميزانيته من الضرائب 70% منها علي المواد الأساسية الأرز الحليب والمازوت والشاي والملابس ،، 155مليارا بواسطة الضريبة الجمركية و253 مليارا من فارق سعر المازوت و109مليار بواسطة إدارة الضرائب . لقد تضاعفت الزيادات في أسعار المواد المحلية اللحم والأرز والسمك بسبب الزيادة العامة للأسعار إضافة إلى رفع التشجيع عنها ، وهاهو الاحتقان وعدم الثقة بالنظام يملآن الأفق ولا توجد أي ملامح للتناوب ولا للسلم فلماذا نجدد لعزيز !؟ إن الحصيلة النهائية لهذا النظام ليست مشرفة ولا مطمئنة ومن الواضح أن في جعبته مساوئ أخري ،وستكون محاولة تعديل الدستور مجازفة حقيقية بالبلد ،لا يستحقها نظام هذه حصيلته إن على محمد واد عبد العزيز أن يدرك أن الاقتصاد والمال والعقارات والسياسية كل ذلك قابل للترميم أو البدائل ، لكن لا يوجد بديل عن الوطن بالنسبة للسكان الأصليين لهذا الأرض و الناس ليست في ذلك سيان .
محمد محمود ولد بكار