صحراء أفريقيا… حيث لا يحصي أحد الموتى في أزمة الهجرة لأوروبا

ثلاثاء, 01/03/2016 - 12:18

كاتانيا (إيطاليا) ـ  من سلام جبركيدان وأليسون مارتل – كان لاكي عز قد بلغ الخامسة عشرة لتوه عندما انطلق هو وصديقه جودفري عبر الصحراء الأفريقية في عصر يوم حار من أيام شهر أغسطس آب عام 2012. وحتى الآن لم يقل لاكي لعائلة جودفري ما حدث في الرحلة إلى أوروبا. وها هي روايته.
يتذكر لاكي كيف وصل هو ومواطنه النيجيري إلى حافة الصحراء ومعهما المياه والبسكويت والحليب ومشروبات الطاقة التي طلب منهما مهرب البشر إحضارها.
وصعد الاثنان مع 36 آخرين إلى الصندوق الخلفي لشاحنة بيك أب تويوتا انطلقت مسرعة من مدينة أغاديز في شمال النيجر.
جلس لاكي فوق كومة من المؤن ممسكا بعمود بينما كانت قدماه تتدليان من جانب الحافلة. كان يعرف أن السائق لن يتوقف إذا سقط أحد الركاب. وكان العطش والجوع يستحوذان عليه بينما كانت الرمال التي تتطاير من تحت إطارات الشاحنة تلسع عينيه.
وعلى مدى ثلاثة أيام ظلت الشاحنة تنهب بهم الصحراء نهبا وكانت تتوقف من وقت لآخر للتزود بالوقود أو لشرب الماء.
وفي اليوم الرابع تاه السائق. تعطلت بوصلته عن العمل وهو ما يعني أن البعض لن يخرج أبدا من هذه الصحراء.
تتابع المنظمات الدولية أرقام المهاجرين الذين يغرقون وهم يحاولون عبور البحر المتوسط إلى أوروبا. وفي العام الماضي قدر عدد الغرقى بنحو 3800 شخص.
لكن لا أحد يحصي موتى الصحراء. ويقول العاملون في مجال الإغاثة إن هذا يسهل على الساسة تجاهل ما يزهق من أرواح فيها.
وليس لدى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين أي بيانات عن عدد من يموتون في الصحراء حسبما تقول وحدتها في شمال أفريقيا. وتعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على لم شمل العائلات لكنها لا تجمع معلومات عن موتاها.
وحاول عدد محدود من قواعد البيانات غير الرسمية التي يحتفظ بها متطوعون وأكاديميون ومنظمات أهلية إحصاء الأعداد لكنها تعتمد إلى حد كبير على تقارير وسائل الإعلام كما أن ما تحصل عليه من تمويل متقطع.
وقال جوليان براشيت الباحث لدى معهد الهجرة الدولية بجامعة أكسفورد الذي شارك في عمل ميداني في الصحراء بما في ذلك شمال النيجر “ليس لدينا أي بيانات.
“هي مشكلة لأن عدد من يموتون في الصحراء ربما يماثل عدد من يموتون في البحر المتوسط. لا يمكننا إثبات هذا ولا نستطيع أن نقول شيئا لذلك فلن يتدخل أحد.”
توهان
ومنذ فترة طويلة ظلت أغاديز بوابة للصحراء. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن 120 ألف مهاجر مروا عبر المدينة في طريقهم إلى شمال أفريقيا أو أوروبا في عام 2015 أكثر من مثلي العدد الذي مر بها في العام السابق على ذلك. وفي الماضي كان الناس يرحلون عن المدينة علنا. وكانت قوافل عسكرية أسبوعية توفر بعض الحماية.
غير أنه منذ مأساة وقعت في 2013 راح فيها 92 مسافرا ضحية العطش تحركت الحكومة لإغلاق المسارات وأصبحت حركة التنقل سرية.
وظل سائق الشاحنة التي كان لاكي يركبها يدور ويلف في الصحراء خمسة أيام أخرى على أمل الوصول إلى علامة يحدد بها مساره. وعند هذا الحد قال لاكي إن الطعام والمياه نفدا. وبدأ الركاب المرهقون يتساقطون من الشاحنة ليلا. ولم يتوقف السائق لانتشالهم.
وقال لاكي الذي أصبح عمره الآن 18 عاما وعاش عاما بعد وصوله إلى أوروبا في مأوى للصغار في كاتانيا بإيطاليا “في اليوم التالي… أحصينا عددنا ولم يكن بعضنا موجودا.”
وبعد يوم نفد وقود الشاحنة. وراح المسافرون يدورون على غير هدى في الصحراء. وعصر ذلك اليوم هبت عاصفة رملية باتجاههم.
وقال لاكي “كنا واقفين ننظر حولنا. لم نعرف إلى أين نذهب. ولم نكن نعرف كيف سنخرج من الصحراء. ومات كثيرون في تلك البقعة.”
وأضاف “سقط صديقي ومات”. وكان الكل يبكي.
وقال إنهم حفروا في الرمال ودفنوا صديقه ثم بدأوا السير.
التخفي
تأوي الصحراء في شمال النيجر ومالي المجاورة مهربي المخدرات والسلاح والبشر وخاطفين وجماعات إسلامية مسلحة بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة.
ومارس الاتحاد الأوروبي ضغوطا على النيجر ودول أخرى لتضييق الخناق على التهريب. وفي عام 2014 فتح الاتحاد الأوروبي بعثة في النيجر لتدريب قوى الأمن “للمساعدة في منع الهجرة غير المنظمة”.
وفي العام الماضي أقرت النيجر قانونا لحظر تهريب البشر يمكن بمقتضاه سجن المهربين لفترات تصل إلى 30 عاما.
لكن براشيت الباحث بأكسفورد يقول إن ذلك ربما أدى لنتائج عكسية لأنه دفع جانبا كبيرا من النشاط للعمل السري.
وقال “لم يكن مستحيلا لكن كان في غاية الصعوبة أن يترك أحد مهاجرين في وسط الصحراء. أما الآن وبعد أن أصبح النشاط سريا.. لا أحد يعرف إن كانوا يصلون فعلا إلى حيث يفترض إنزال الركاب أم لا أو ما إذا كانوا يتركونهم في الصحراء.”
وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي إن من الأولويات التعامل مع المهربين وغيرهم ممن يعرضون أرواح المهاجرين الضعفاء للخطر. ولا يسيطر الاتحاد على حدود في الصحراء أو يسير فيها دوريات لكنه يدعم السلطات المحلية بالتدريب والمشورة.
وتحاول المنظمة الدولية للهجرة التي يرابط بعض العاملين فيها في شمال النيجر جمع معلومات أفضل عن عدد العابرين في تلك المنطقة وما يحدث لهم. وهي تقدر أن نحو 2300 شخص يعبرون أغاديز كل أسبوع لكنها لم تسجل سوى 37 حالة وفاة في الصحراء في عام 2015.
ولم ترد حكومة النيجر على طلبات للتعليق على هذا التقرير.
وقال لاكي إنه سار مع باقي الناجين نحو عشر ساعات قبل أن يصادفوا شاحنة بيك أب في طريق العودة إلى أغاديز. وتوسلت المجموعة للسائق حتى يقبل أن يقلهم ما تبقى من الطريق.
ونقلهم السائق إلى سبها في ليبيا وباعهم لمتشددين أرغموا لاكي على العمل دون مقابل. ومرت شهور قبل أن يتمكن من الهرب والسفر إلى إيطاليا.
وترك الناجون خلفهم في الرمال جثث أربعة رجال وامرأتين هي ست حالات وفاة لم تسجل قط.
(رويترز)+ القدس العربي